كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
ولعلها تدل على ضد ذلك بهذا التناقص في المقال فإن الكاهن والشاعر يكونان ذا عقل تام وفطنة وقادةوالمجنون مغطى عقله مختل فكره وهذا يعرب عن أن القوم لتحيرهم وعصبيتهم وقعوا في حيص بيص حتى اضطربت عقولهم وتناقضت أقوالهم وكذبوا أنفسهم من حيث لا يشعرون وأمر الأحلام بذلك مجاز على التأدية بعلاقة السببية كماقيل وقيل : جعلت الأحلام آمرة على الأستعارة المكنية فتشبه الأحلام بسلطان مطاع تشبيهامضمرا وتثبت له الأمر عن طريق التخييل أم هم قوم طاغون
32
- مجازون الحدود فيالمكابرة والعناد لا يحومون حول الرشد والسدادولذلك يقولون ما يقولون من الأكاذيب المحضة الخارجة عن دائرة العقول وقرأمجاهد بل هم أميقولون تقوله أي اختلقه من تلقاء نفسه
وقال ابن عطية : معناه قالأ : عن الغير أنه قاله فهو عبارة عنكذبمخصوص وضمير المفعول للقرآن بل لا يؤمنون
33
- فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه الأباطيل كيف لا وما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا واحدمن العرب فكيف أتى بما عجز عنه كافةالأمم من العرب والعجم فليأتوا بحديث مثله مماثل القرآن في النعوت التي استقل بها منحيث النظم ومن حيث المعنى إن كانوا صادقين
34
- فيما زعموا فإن صدقهم في ذلك يستدعي قدرتهم على الإتيان بمثله بقضية مشاركتهم لهعليه الصلاة السلام في البشرية والعربية مع ما بهم من طول الممارسة للخطب والإشعار وكثرة المزاولة لأساليب النظم والنثر والمبالغة في حفظ الوقائع والأيام ولا ريب في أن القدرة على الشيء من موجبات الإتيان به ودواعي الأمر بذلك فالكلام رد للقوال المذكورة في حقه عليه الصلاة و السلام والقرآن بالتحدي فإذاتحدوا وعجزوا علم رد ما قالوه وصحة المدعي وجوز أن يكون ردالزعمهم التقول خاصة فإن غيره مما تقدم حتى الكهانة كما لا يخفى أظهر فسادامنه ومع ذلك إذاظهر فساد زعمهم التقول ظهر فساد غيره بطريق اللزوم وقرأالجحدري وأبو السمال بحديث مثله على الإضافة أي بحديث رجل مثل الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم في كونه أميالم يصحب أهل العلم ولا رحل عن بلده أو مثله في كونه واحدامنهم فلا يعوز أن يكون في العرب مثله في الفصاحة فليأت بمثل ما أتى به ولن يقدر على ذلك أبدا أم خلقوا من غي شيء أي أم أحدثوا وقدروا هذا التقدير البديع من غير مقدر وخالف وقال الطبري : المراد أم خلقوا من غير شيء حي فهم لا يؤمرون ولا ينهون كالجمادات وقيل : المعنى أمخلقوا من غير علة ولا لغاية ثواب وعقاب فهم لذلك لا يسمعون و من عليهللسببية وعلىما تقدم لابتداء الغاية والمعول عليه من القوالأ ما قدمنا وسيأتي إن شاءالله تعالى زيادة إيضاح له ويؤيده قوله سبحانه :
أم هم الخالقون
35
-
أي الذين خلقوا أنفسهم فلذلك لا يعبدون الله عز و جل ولا يلتفتون إللارسوله صلى الله تعالى عليه وسلم إذ على القولين لا يظهر حسن المقابلة وإرادةخلقوا أنفسهم يشعر به قوله تعالى :
أم خلقوا السماوات والأرض
إذ لو أريد العموم لعدم ذكر المفعول لم يظهر حسن المقابلة أيضا وقال ابن عطية : المراد أهم الذين خلقوا الأشياء فهم لذلك يتكبرون ثم خص من تلك الأشياء السماوات والأرض لعظمهما وشرفهما في المخلوقات وفيه ما سمعته
بل لا يوقنون
36
-
أيإذاسئلوا من خلقكم وخلق السماوات
الصفحة 37
200