كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
وعلي كرمالله تعالى وجهه وأبي هريرة والحسن رضي الله تعالى عنهما التسبيح من الليل النوافل و إدبارالنجوم ركعتا الفجر وقرأسالم بن أبي الجعد والمنهالبن عمرو ويعقوب أدبار بفتح الهمزة جمع دبر بمعنى عقب أي أعقابها إذا غربت أو خفيت بشعاع الشمس
هذا ونظم الآيات من قوله تعالى : أم يقولون شاعر إلى قوله سبحانه : أم لهم إله غير الله الخ فيه غرابة ولم أر أحداكشف عن لثامه كصاحب الكشف جزاه الله تعالى خيرا ولغاية حسنه وكونه مما لا مزيد عليه أحببت نقلهبحذافيره لكن مع اختصار ما فأقول : أومأ الزمخشري إلى وجهين في ذلك في قوله تعالى : بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر : أحدهما أنه حكاية قولهم المضطرب على وجهه والثاني أنه تدرجمنه سبحانه في حكايةما قالوه من المنكر إلى ما هو أدخل فيه والأول ضعيف فيما نحن فيه لأن ما سيق له الكلام ليس اضطراب أقوالهم فتحكي على ما هي عليه بل تسليته عليه الصلاة و السلام وأنه لا محالة ينتقم له منهم وأن العذاب المكذب به واقع بهم جزاءالتكذيبهم بالمنبيء والنباوالمنبأب فالمتعين هوالثاني ووجهه والله تعالى أعلم أن قوله : فذكر معناه إذ ثبت كون العذاب واقعاوكون الفريقين المصدقين والمكذبين مجزيين بأعمالهم وإنك على الحق المبين الذي من كذب به استحق الهوان ومن صدق استحق الرضوان فدم على التذكير ولا تبال بما تكايد فإنك أنت الغالب حجة وسيفافي هذه الدار ومنزلة ورفعة في دار القرار ومن قوله تعالى : فما أنت إلى قوله سبحانه : هم المكيدون تفصيل هذا المجمل مع التعريض بفساد مقالاتهم الحمقاء وأنهم بمرأى من الله تعالى ومسمع فلا محالة ينتقم لنبيه عليه الصلاة و السلام منهم وفيه أن النبي صلى الله عليه و سلم من الله تعالى بمكان لا يقادر قدره فهو شد من عضد التسلي وقوله سبحانه : فما أنت بنعمة ربك الخ فيه أن من أنعم عليه بالنبوة يستحيل أن يكون أحدهذين وبدأ بقولهم المتناقض ليبينه أولاعلى فساد آرائهم ويجعله دستورا في إغراضهم عن الحق وإيثار اتباع أهوائهم فما أبعد حال من كان أتقنهم رأياوأرجحهم عقلاوأبينهم آيامنذ ترعرع إلى أن بلغ الأشد عن الجنون والكهانة علىأنهما متناقضان لأن الكهان كانوا عندهم من كامليهم وكان قولهم إماما متبعا عندهم فأين الكهانة من الجنون ثم ترقى مضرباإلى قولهم فيه وحاشاه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه شاعر لأنه أدخل في الكذب من الكاهن والمجنون وقدماقيل : أحسن الشعر أكذبه ليبين حال تلجلجهم واضطرابهم وقوله تعالى : قل تربصوا من باب المجازاة بمثل صنيعهم وفيه تتميم للوعيد فهذا بابمن إنكارهم هدمه سبحانه أولاتلويحا بقوله : بنعمة ربك وثانيا تصريحا بقوله جل وعلا أم تأمرهم أحلامهم كأنه قيل دعهم وتلك المقالة وما فيها من الأضطراب ففيها عبرة ثم قيل ذلك من طغيانهم لأنه أدخل في الذم من نقصان العقل وأبلغ في التسلية لأن من طغى على الله عز و جل فقد باء بغضبه ثم أخذ في باب أوغل في الإنكار وهو نسبة الأفتراء إليه صلى الله تعالى عليه وسلم وذلك لأن الأفتراء أبعد شيء من حاله لاشتهاره بالصدقعلى أن كونه افتراءا وعجزهم عن الأتيان بأقصر سورة من هذا المفترى متنافيان لدلالته على الصدق على ما مر في الأحقاف ولأنالشاعر لا يعتمد الكذب لذاته ثم قد يكون شعره حكما ومواعظ وهو لا ينسب فيه إلى عار والتدرج عن الشعر ههنا عكس التدرج إليه في الأنبياء لأن الكلام ههنا على التدرج في المناقضة والتوغل في القدح فيه عليه الصلاة والصلام ونفي رسالته وهنالك عن القدح في بعض من الذكر متجدد النزول فقيل : إن افتراءه لا يبعد ممن هو شاعر ذو افتراءآت كثيرة وأين هذا من ذاك وللتنبيه على التوغل