كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
جيء بصريح حرف الأضطراب في الرد فقيل : بللا يؤمنون وعقب بقوله تعالى : فليأتوا ثم من لا يؤمن أشد إنكارا له من الطاغي كما أن المفترى أدخل في الكذب من الشاعر ثم أخذ في أسلوبأبلغ في الرد على مقالاتهم الجنون والكهانة لتقاربهما ثم الشعر ثم الأفتراء حيث نزل القائلين منزلة من يدعي أنهخلق من غير شيء أيمقدر وخالق وإلا لأهمهم البحث عن صفاته وأفعاله فلم ينكروا منك ما أنكروا ومن حسب أنه مستغن عن الموجدمسب رسوله إلى الجنون والكهانة لابل كمن يدعي أنه خالق نفسه فلا خالق له ليبحث عن صفاته فهو ينسبه إلى الشعر إذ لا يرسل إليه البتة والشعر أدخل في الكذب لا بل كمن يدعي أنه خلق السماوات والأرض وما بينهمأفهو ينسبه إلى الإفتراء حيث لم يرسله ثم اضرب صريحا عنه بقوله تعالى : بل لايوقنون ومن لا إيقان له بمثل هذأ البديهي لا يبعدأن يزنك بما وزن فكأنه قيل : مقالتهم تلك تؤدي إلى هذه لا أنهم كانوا قائلين بها إظهارا لتماديهم في العناد ثم بولغ فيه فجيء بما يدل علىأن الرسول لا بد أن يكون مفتريا غير صالح للنبوة في زعمهم فالأول لما لم تعدد الآلهة إنما يدل علىافترائه من حيث أن أحد الخالقين لا يدعو الآخر إلى عبادته والثاني يمنعه بالكلية لأنه إذا كان عندهم جميع خزائن ربه وهم ما أرسلوه لزم أن يكون مفتريا ألبتة وأدمج فيه إنكارهم للمعاد ونسبتهم إياه ص - في ذلك أيضا خاصة إلى الافتراء والحمل على خزائن القدرة أظهر لأن أم عندهم الغيب إشارة إلى خزائن العلم ولما كانالمقصود هنالك أمر البعث على ما سيحقق إن شاء الله تعالى كان هذا القول أيضا من القبول بمكان ولا يخفى ما في قوله تعالى : أم هم المسيطرون من الترقي ثم لما فرغ من ذلك وبين فساد ما بنوأعليه أمر الإنكار بدليل العقل قيل : لم يبق إلا المشاهدة والسماع منه تعالى وهو أظهر استحالة فتهكم بهم وقيل : بل لهم سلم يستمعون وذيل بقوله تعالى : أم له البنات إشعارابأن من جعل خالقه أدون حالامنه لم يستبعد منه تلك المقالات الخرقاء كأنه سلى صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : ناهيك بتساوي الطعنين في البطلان وبما يلقون من سوء مغبتهما ثم قيل : أم تسألهم أجرا أي إن القوم أرباب ألباب وليسوا من تلك الأوصاف في شيء بل الذي زهدهم فيك أنك تسألهم أجرامالاأو جاها أو ذكرا وفيه تهكم بهم وذم لهم بالحسد واللؤم وأنهم مع قصور نظرهم عن أمر الميعاد لايبنون الأمر على المتعارف المعتاد إذ لا أحد من أهل الدنيا وذوي الأخطار يجبه الناصح المبرأ ساحته عن لوث الطمع بتلك المقالات على أنه حسد لاموقع له عند ذويه فليسوا في أن يحصل لهم نعمة النبوة ولا هو ممن يطمع في نعيمهم إحدى الثلاث ثم قيل : أم عندهم الغيب على معنى بل أعندهماللوح فيعلمون كل ما هو كائن ويكتبون فيه تلك المعلومات وقد علموا أن ما تدعيه من المعاد ليس من الكائن المكتوب والمقصود من هذا نفي المنبأبه أعني البعث على وجه يتضمن دفع النبوة أيضا إدماجاعكس الأول ولهذا أخره عن قوله تعالى : أم لهم سلم فقدسلف أن مصعب العرض حديث النبأوالمنبأوالمنبأ به فقضي الوطر من الأولين معالرمز إلى الأخير ثم أخذ فيه مع الرمز إليهما قضاءا لحق الإعجاز ففي الغيب إشارة إلى الغيب أعني الساعة أول كل شيء وفيه ترق في الدفع من وجه أيضا لأن العمل أشمل موردامن القدرة ولأن الأول إنكار من حيث أنهم لم يرسلوه وهذا من تلك الحيثية ومن حيث أنهم ما عملوا بإرسال غيره إياه أيضامعإحاطةعل لكنه غير مقصود قصداأوليا ثم ختم الكلام بالإضراب عن الإنكار إلىالأخبار عن حالهم بأنهم يريدون بك كيدافهم ينصبو لك الحبائل قولا وفعلا