كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
إذا لا خلف فيه فيجري المستقبل مجرى المحقق الماضي وقيل : إنه متعلق بعامل هو حال من المنجم وأورد عليه أن الزمان لا يكون خبرا ولا حالا عن جثة كما هنا وأن إذا للمستقبل فكيف يكون حالا إلا أن تكون حالامقدرة أوتجرد إذا لمطلق الوقت كما يقال بصحية الحالية إذا أفادت معنى معتدابه فمجيء الزمان خبرا أو حالا عن جثة ليس ممنوعا على الأطلاق كما ذكره النحاة أو النجم لتغيره طلوعا وغروبا أشبه الحدث والإنصاف أن جعله حالا كتعلقه بمصدر محذوف ليس بالوجه على ما قيل ما سمعت من تعلقه بأقسم منسلخا عنه معنى الأستقبال وهو الذي اختاره في المغنى وتخصيص القسم بوقت الهوى ظاهر على الأخير من الأقوال الثلاثة وأما على القولين فقيل : لأن النجم لا يهتدي به الساري عند كونه في وسط السماء ولا يعلم المشرق من المغرب ولا الشمال من الجنوب وإنما يهتدي به عند هبوطه أو صعوده مع ما فيه من كمال المناسبة لما سيحكى من التدلي والدنو وقيل : لادلالته على حدوته الدال على الصانع وعظيم قدرته عز و جل كما قال الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأكمل السلام لا أحبالآفلين وسيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب تمام الكلام في تحقيق إعراب مثلهذا التركيب فلا تغفل وما ينطق أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله سبحانه : صاحبكم والنطق مضمن معنى الصدور فلذا عدي بعنفي قوله تعالى : عن الهوى
3
- وقيل : هي بمعنى الباء وليس بذلك أي بذاك ما يصدر نطقة فيما آتاكم به من جهته عز و جل كالقرآن أو من القرآن عن هوى نفسه ورأيه أصلافإن المراد استمرار النفي كما مر مرارافي نظائره إن هو أي ما الذي ينطق به من ذلك أو القرآن وكل ذلك مفهوم من السياق إلا وحي من الله عز و جل يوحى
4
- يوحيه سبحانه إليه والجملة صفة مؤكدة لوحي رافعة لاحتمال المجاز مفيدة للأستمرار التجددي وقيل : ضمير ينطق للقرآن فالآية كقوله تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وهو خلاف الظاهر وقيل : المراد ما يصدر نطقه عليه الصلاة و السلام مطلقا عن هوى وهو عائد لما ينطق به مطلقا أيضا
واحتج بالآية على هذا التفسير من لم ير الأجتهاد له عليهالصلاة والسلام كأبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم ووجه الأحتجاج أن اللهتعالى أخبر بأن جميع ما ينطق بهوحي وما كان عن اجتهاد ليس بوحي فليس مماينطق وأجيب بأن الله تعالآإذا سوغ له عليه الصلاة و السلام الأجتهاد كان وما يسند إليه وحيالا نطقا عن الهوى وحاصله منع كبر القياس واعترض عليه بأنه يلزم أن تكون الأحكام التي تستنبطها المجتهدون بالقياس وحيا وأجيب بأن النبي عليه الصلاة و السلام أوحي إليه أن يجتهد بخلاف غيره من المجتهدين وقال القاضي البيضاوي : إنه حينئذ بالوحي لا وحي وتعقبه صاحب الكشف بأنه غير قادح لأنه بمنزلة أن يقول الله تعالى لنبيه عليه الصلاة و السلام : متى ما ظننت بكذا فهو حكمي أي ما ألقيته في قلبك فهو مردي فيكون وحياحقيقة والظاهر أن الآية واردة في أمر التنزيل بخصوصه وإن كان مثله الأحاديثالقدسية والأستدلال بها على أنه عليه الصلاة و السلام غير متعبد بالوحي محوج لارتكاب خلاف الظاهر وتكلففي دفع نظر البيضاوي عليه الرحمة كما لا يخفى على المنصف ولا يبعدعندي أن يحمل قوله تعالى : وما ينطلق عن الهوى على العموم فإن من يرى الأجتهاد له عليه الصلاة و السلام كالإمام أحمد وأبي يوسف عليهما الرحمة