كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
لا يقولبأن ما ينطق به صلى الله تعالى عليه وسلم مما أدى إليه اجتهاده صادر عن هوىالنفس وشهوتها حاشا حضرة الرسالةعن ذلك وإنما يقول هو واسطة بين ذلك وبين الوحي ويجعل الضمير في قوله سبحانه : إن هوإلا وحي للقرآن على أن الكلام جواب سؤال مقدر كأنه قيل إذاكان شأنه عليه الصلاةوالسلام أنه ما ينطق عن الهوى فما هذا القرآن الذي جاء به وخالف فيه ما عليه قومه واستمال به قلوب كثير من الناس وكثرت فيعه الأقاويل فقيل : ما هو إلا وحي يوحيه الله عز و جل إليه ص - فتأمل وفي الكشف أن في قوله تعالى : ما ينطق مضارعا مع قوله سبحانه : ما فضل وما غوى ما يدلعلىأنه عليهالصلاة والسلام حيث لم يكن له سابقة غواية وضلال منذ تميزوقبل تحنكه واستنبائه لم يكن له نطق عن الهوى كيف وقد تحنك ونبء وفيه حث لهم على أن يشاهدوا منطقه الحكيم علمه الضمير للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والمفعول الثاني محذوف أي القرآن أو الوحي وجوزأبو حيان كون الضمير للقرآن وأن المفعول الأول محذوف أي علمه الرسول عليه الصلاة و السلام شديد القوى
5
- هو جبريل عليه السلام كما قال ابن عباس وقتادة والربيع فإنهالواسطة في إبداء الخوارق وناهيك دليلا على شدة قوته أنه قلع قرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى وحملها علىجناحه ورفعها إلى السماءثم قلبها وصاح بثمود صيحة فأصبحوا جاثمين وكان هبوطه على الأنبياء عليهم السلام وصعوده في أسرع من رجعة الطرف فهو لعمري أسرع من حركة ضياء الشمس على ماقرروه في الحكمة الجديدة ذومرة ذوحصافة واستحكام في العقل كما قال بعضهم فكأن الأول وصف بقوة الفعل وهذا وصف بقوة النظر والعقل لكن قيل : إن ذاك بيان لما وضع اللفظ فإن العرب تقول لكل فوي العقل والرأي ذو مرة من أمررت الحبل إذاأحكمت فتله وإلا فوصف الملك بمثله ظاهر فهو كناية عن ظهور الآثار البديعة وعن سعيد بن المسيب ذوحكمة لأن كلام الحكماء متين وروي الطستي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عنه فقال : ذو شدة في أمر الله عز و جل واستشهد له وحكى الطيبي عنه أنهقال : ذو منظر حسن واستصو به الطبري وفي معناه قول مجاهد ذو خلق حسن : وهو في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا تحل الصدقة لغني ولالذي مرة سوى بمعنى ذي قوة وفي الكشف إن المرة لأنها في الأصل تدلعلى المرة بعد المرة تدل على زيادة القوة فلا تغفل فاستوى
6
- أي فاستقام علىصورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها وذلك عند حراء في مبادي النبوة وكان له عليه الصلاة و السلام كما في حديث أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد وجماعة عن ابن مسعود ستمائة جناح كلجناح منها يسد الأفق فالأستواء ههنأبمعنى اعتدال الشيء في ذاته كما قال الراغب وهو المراد بالأستقامةلا ضد الأعوجاج ومنه استوى الثمر إذانضج وفي الكلام على ما قال الخفاجي : طي لأنوصفه عليهالسلام بالقوة وبعض صفات البشر يدل علىأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رآه في غير هيئته الحقيقية وهذا تفصيل لجواب سؤال مقدر كأنه قيل : فهل رآه على صورته الحقيقية : فقيل نعم رآه فاستوى الخ وفي الإرشاد أنه عطف على علمه بطريق التفسير فإنه إلى قوله تعالى : ما أوحى بيان لكيفية التعليم وتعقب بأن الكيفية غير منحصرة فيما ذكر ومن هنا قيل : إن الفاء للسببية فإن تشكله عليه السلام بشكله يتسبب عن قوته وقدرته على الخوارق أو عاطفة على علمه على معنى علمه على غير صورته الأصلية ثم استوى على صورته الأصلية وتعقب بأنه لا يتم به التئام الكلام ويحسن به النظام وقيل : :