كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
وقوله سبحانه : إنا أنزلناه في ليلة القدر ما أوحي
10
- أي الذي أوحاه والضمير المستتر لجبريل عليه السلام أيضا وإبهام الموحي به للتفخيم فهذا نظير قوله تعالى : فغشيهم من اليم ما غشيهم وقالأبو زيد : الضمير المستتر لله عز و جل أي أوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحاه الله إلىجبريل والأول مروي عن الحسن وهو الأحسن وقيل : ضمير أوحى الأول والثانيلله تعالى والمراد بالعبد جبريل عليه السلام وهو كما ترى ما كذب الفؤاد أي فؤاد محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ما رأى
11
- ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام أي ما قال فؤاده صلى الله تعالى عليه وسلم لما رآه ببصره لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره فهو من قولهم كذب إذا كذبا فما كذب بمعنى ما قال الكذب وقيل : أي ما كذب الفؤاد البصر فيما حكاه له من صورة جبريل عليه السلام وما في عالم الملكوت تدرك أولا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر وقرأ أبو رجاء وأبو جعفر وقتادة والجحدري وخالد بن الياس وهشام عن ابن عامر ما كذاب مشددا أي صدقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته وفي الآيات من تحقيق أمر الوحي ما فيها وفي الكشف أنه لما قال سبحانه : إن هوإلا وحي أي من عند الله تعالى يوحى ذكر جل وعلا ما يصور هذا المعنى ويفصله ليتأكد أنه وحي وأنه ليس من الشعر وحديث الكهان في شيء فقال تعالى علم صاحبكم هذا الوحي من هو على هذه الصفات وقوله تعالى : فاستوى وحديث قيامه بصورته الحقيقية ليؤكد أن ما يأتيه فيصورة دحية هو هو فقد رآه بصورة نفسه وعرفه حق معرفته فلا يتشبه عليه بوجه وقوله تعالى : ثم دنا فتدلى تتميم لحديث نزوله إليه عليه الصلاة و السلام وإتباعه بالمنزل وقوله سبحانه : فأوحى أي جبريل ذلك الوحي الذي مر أنه من عند الله تعالى إلى عبد الله وإنما قال سبحانه : ما أوحى ولم يأت بالضمير تفخيما لشأن المنزل وأنه شيء يجل عن الوصف فأنى يستجيز أحد من نفسه أن يقول إنه شعر أو حديث كاهن وإيثار بدل إليه أي إلى صاحبكم لإضافة الإختصاص وإيثار الضمير على الأسم العلم في هذا المقام لترشيحه وأنه ليس عبداإلا له عز و جل فلا ليس لشهرته بأنه عبد الله لا غير وجاز أن يكون التقدير فأوحى الله تعالى بسببه أي بسبب هذا المعلم إلى عبده ففي الفاء دلالة على هذا المعنى وهذا وجه أيضا سديد ثم قالسبحانه : ما كذبالفؤاد ما رأى على معنى أنه لما عرفه وحققه لم يكذبه فؤاده بعد ذلك ولوتصور بغير تلك الصورة إنه جبريل فهذا نظم سري مرعي فيه النكت حق الرعاية مطابق للوجود لم يعدل به عن واجب الوفاق بين البداية والنهاية انتهى
وهو كلام نفيس يرجح به ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وسيأتيذلك إن شاء الله عز جل بما وعليه أفتمارونه علىما يرى
12
- أي أتكذبونه فتجادلونه على ما يراه فتمارونه عطف على محذوف علىما ذهب إليه الزمخشري من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة إذا مسح ظهرها وضرعها ليخرج لبنها وتدر فشبه به الجدال لأن كلا من المتحادلين يطلب الوقوف على ما عند الآخر ليلزمه الحجة فكأنه يستخرج دره
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وعبد الله وابن عباس والجحدري ويعقوب وابن سعدان وحمزة والكسائي وخلف أفتمرونه بفتح التاء وسكون الميم مضارع مريت أي جحدت يقال : مريتهحقه إذاجحدته وأنشدوا لذلك قول الشاعر : لئن هجرت أخا صدق ومكرمة لقد مريت أخا ما كان يمريكا