كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء وليست بالتي وعد المتقون وقيل : هي جنة تأوي إليها الملائكة عليهم السلام والأول أظهر والمأوى على ما نص عليه الجمهور اسم مكان وإضافة الجنة إليه بيانية وقيل : من إضافة الموصوفإلى الصفة كما فيمسجد الجامع وتعقب بأن اسم المكان لا يوصف به والجملة حالية وقيل : الحال هو الظرفو جنة مرتفع على الفاعلية وقرأعلي كرم الله تعالى وجهه وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر ومحدم بن كعب وقتادة : جنه بهاء الضمير وهو ضمير النبي ص - وجن فعل ماض أي عندها ستره إيواء الله تعالى وجميل صنعه به أو ستره المأوى بظلاله ودخل فيه على أن المأوى مصدر ميمي أو اسم مكان وجنه بمعنى ستره قال أبو البقاء : شاذوا المستعمل أجنه ولهذا قالت عائشة رضعنها وكذأ جمع من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين : من قرأ به فأجنه الله تعالى أي جعله مجنونا أو أدخله الجنن وهو القبر وأنت تعلم أنه إذاصح أنه قرأ به الأمير كرم الله تعالى وجهه ومن معه من أكابر الصحابة فليس لأحد رده من حيث الشذوذ في الأستعمال وعائشة قد حكى عنها الإجازة أيضا
وإذايغشى السدرة ما يغشى متعلق برآه وقيل : بما بعد من الجملة المنفية ولا يضر التقدم على ما النافية للتوسع في الظرف والغشيان بمعنى التغطية والستر ومنه الغواشي أو بمعنى الإتيان يقال فلان يغشى زيدا كل حين أي يأتيه والأول هو الأليقبالمقام وفي إبهام ما يغشى من التفخيم ما لا يخفى فكأن الغاشي أمر لا يحيط به نطاق البيان ولا تسعه أردان الأذهان وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضارالصورتها البديعة وجوز أن يكون للإيذان باستمرار الفشيان بطريق التجدد وورد في بعض الأخبار تعيين هذا الغاشي فعن الحسن غشيها نور رب العزة جل شأنه فاستنارت ونحوه ما روي عن أبي هريرة يغشاها نور الخلائق سبحانه وعن ابن عباس غشيها رب العزة عز و جل وهو من المتشابه وقالأ ابن مسعود ومجاهد وإبراهيم : يغشاها جراد من ذهب وروي عن مجاهد أن ذلك تبدل أغصانها لؤلؤا وياقوتا وزبرجدا
وأخرج عبد بن حميد عن سلمة قال : استأذنت الملائكة الرب تبارك وتعالى أن ينظروا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأذنلهم فغشيت الملائكة السدرة لينظروا إليه عليه الصلاة و السلام وفي حديث رأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائمايسبح الله تعالى وقيل : يغشاها رفرف من طير خضر والإبهام على هذا كله على نحو ما تقدم
ما زاغ البصر أي ما مال بصر رسول الله ص - عما رآه وما طغى وما تجاوزه بل أثبته إثباتا صحيحامستيقنا وهذا تحقيق للأمر ونفي للريب عنه أو ما عدل عن رؤية العجائبالتي أمر برؤيتها وما جاوزها إلى ما لم يؤمر برؤيته
لقد رأى من آيات ربه الكبرى
18
- أي والله لقد رأى الآيات الكبرى من آياته تعالى وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج فالكبرى صفة موصوف محذوف مفعول لرأى أقيمت مقامه بعد حذفه وقدر مجموعا ليطابق الواقع وجوز أنتكون الكبرى صفة المذكور على معنى و لقد رأى بعضا من الآيات الكبرى ورجح الأول بأن المقام يقتضي التعظيم والمبالغة فينبغي أن يصرح بأن المرأى الآيات الكبرى وجوزت الوصفية المذكورة معكون من مزيدة وأنت تعلم أن زيادة من في الإثبات ليس مجمعا على جوازه وجاء في بعض الأخبار تعيين ما رأى عليه الصلاة و السلام أخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وجماعة عن ابن مسعود أنه قالفي

الصفحة 51