كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
الآية رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سد الأفق وعن ابن زيد رأى جبريل عليه السلام في الصورة التي هو بها والذيينبغي أن لا يحمل ذلك على الحصر كما لا يخفى فقد رأى عليه الصلاة و السلامآيات كبرى ليلة المعراج لا تحصى ولا تكاد تستقصى هذا وفي الآيات أقوال غيرما تقدم فعنالحسنأن شديد القوى هو الله تعالى وجمه القوى للتعظيم ويفسر ذو مرة عليه بذي حكمة ونحوه مما يليق أن يكونوصفا لهعز و جل وجعل أبو حيان الضميرين في قوله تعالى : فاستوىوهو بالأفق الأعلى عليه له سبحانه أيضا وقال : إن ذلكعلى معنى العظمة والقدرةوالسلطان ولعل الحسنيجعل الضمائر في قوله سبحانه : ثم دنل فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى له عز و جل أيضا وكذا الضميرالمنصوب في قوله تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى فقد كان عليه الرحمة يحلف بالله تعالى لقد رأىصص ربه وفسردنوه تعالى من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم برفع مكانته صلى الله عليه و سلم عنده سبحانه وتدليه جل وعلا بجذبه بشراشره إلى جانب القدس ويقاللهذاالجذب : الفناء في الله تعالى عند المتأهلين وأريد بنزوله سبحانه نوع من دنوه المعنوي جل شأنه
ومذهب السلف في مثل ذلك إرجاع علمه إلى الله تعالى بعد نفي التشبيه وجوزأن تكون الضمائر في دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى على ما روي عن الحسن للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد ثم دنا النبي عليه الصلاة و السلام من ربه سبحانه فكان منه عز و جل قاب قوسين أو أدنى والضمائر في فأوحى الخ لله تعالى وقيل : إلى عبده ولم يقل إليه للتفخيم وأمر المتشابه قد علم وذهب غير واحد في قوله تعالى : علمه شديد القوى إلىقوله سبحانه : وهو بالأفق الأعلى إلى أنه في أمر الوحيوتلقيه من جبريل عليه اتلسلام على ما سمعت فيما تقدم وفي قوله تعالى : ثم دنا فتدلى الخ إلى أنه في العروج إلى الجانب الأقدس ودنوه سبحانه منه صلى الله تعالى عليه وسلم ورؤيته عليه السلام إياهجل وعلا فالضمائر في دنا وتدلى وكان و أوحى وكذا الضمير المنصوب في رآه لله عز و جل ويشهد لهذاما في حديث أنس عند البخاريمن طريق شريك بن عبد الله ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودناالجبارفتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنىفأوحى إليه فيما أوحىخمسين صلاة الحديث فأنه ظاهر فيما ذكر
واستدل بذلك مثبتو الرؤية كحبرالأمةابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره وادعت عائشة رضي الله تعالى عنها خلاف ذلك أخرج مسلم عن مسروق قال : كنت متكئا عند عائشة فقالت : يا أبا عائشةثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله تعالىالفرية قلت ما هن قالت : من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية وقال : وكنت متكئا فجلست فقلت : يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني ألم يقل الله تعالى : ولقد رآه بالأفق المبين ولقد رآه نزلة أخرى فقالت : أنا أول هذه الأمة عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لا إنما هو جبريل لم أره على صورته اليذ خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض الحديث وفي رواية ابن مردويه من طريق أخرى عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق فقالت : أنا أول من سألأر صلى الله تعالى عليه وسلم عن هذافقلت : يا رسول الله هل رأيت ربك فقال : إنما رأيت جبريل منهبطا ولا يخفى أن جواب رسول الله عليه الصلاة و السلام ظاهر في أن الضمير المنصوب في رآه ليس راجعا إليه تعالى بل إلى جبريل عليه السلام وشاع أنها تنفي أن يكون صلى الله تعالى عليه وسلم رأى ربه سبحانه مطلقا وتستدل لذلك بقوله تعالى : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وقوله