كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

سبحانه وماكان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا وهو ظاهرما ذكره البخاري في صحيحه في تفسير هذه السورة وقالبعضهم : إنها إنما تنفي رؤية تدل عليهاالآيةالتي نحن فيها وهي التي احتج بها مسروق
وحاصل ما روي عنها نفي صحة الأحتجاج بالآية المذكورة على رؤيته عليه الصلاة و السلام ربه سبحانه ببيان أن مرجع الضميرفيها إنما هو جبريل عليه السلام على ما يدل عليه جواب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إياها وحمل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في جوابها لا على أنه نفي للرؤيةالمخصوصة وهي يظن التي دلالة الآية عليهاويرجع إلى نفيالدلالةولا يلزم من انتفاء الخاص انتفاء المطلق والأنصاف أن الأخبار ظاهرةفي أنهاتنفي الرؤية مطلقا وتستدل عليه بالآيتين السابقتين وقد أجاب عنهما مثبتو الرؤية بما هو مذكورفي محله
والظاهرأن ابن عباس لم يقلبالرؤية إلا عن سماع وقد أخرج عنه أحمد أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : رأيت ربي ذكره الشيخ محمد الصالحي الشامي تلميذ الحافظ السيوطي في الآيات البينات وصححه وجمع بعضهم بين قولي ابن عباس وعائشة بأنقول عائشة محمول علىنفي رؤيته تعالى في نوره الذي هو نوره المنعوتبأنه لا يقوم له بصر وقوله ابن عباس محمولعلى ثبوت رؤيتهتعالى في نوره الذيلا يذهببالأبصاربقرينةقوله في جوابعكرمةعن قوله تعالى : لا تدركه الأبصار : ويحك ذاك إذاتجلىبنوره الذيهو نوره وبه يظهر الجمع بين حديثي أبي ذر أخرج مسلم من طريق يزيد بن إبراهيمعن قتادة عن عبد الله بنشقيق عن أبي ذر قال : سألتر صلى الله تعالى عليه وسلم هل رأيت ربك قال : نوراني أراهومنطريق هشام وهمامكلاهما عن قتادة عن عبد الله قال : قلتلأبي ذر لو رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لسألته فقال : عن أي شيء كنتتسأله قال كنت أسأله هل رأيت ربك فقال أبو ذر : قد سألته فقال : رأيتنورا فيحملالنور في الحديثالأول على النور القاهر للأبصار بجعلالتنوين للنوعيةأو للتعظيم والنور في الثانيعلى ما لا يقوم له البصر والتنوين للنوعية وإن صحت رواية الأول كماحكاه أبو عبد الله المازريبلفظ نوراني بفتح الراء وكسرالنون وتشديد الياءلم يكناختلاف بين الحديثين ويكون نوراني بمعنىالمنسوب إلى النور علىخلاف القياس ويكونالمنسوب إليه هو نوره الذيهو نوره والمنسوبهو النور المحمول على الحجابحمل مواطأة في حديث السبحاتفي قوله عليه الصلاة و السلام : حجابه النور وهو النور المانع من الإحراق الذي يقوم له البصر
ثم إن القائلين بالرؤيةاختلفوا فمنهممن قال : إنه عليه الصلاة و السلامرأىربه سبحانه بعينه وروي ذلك ابن مردويه عن ابن عباس وهو مروي أيضا عن ابن مسعود وأبيهريرة وأحمد بن حنبل ومنهم من قال : رآهعز و جل بقلبه وروي ذلكعن أبي ذر أخرج النسائي عنه أنه قال : رأىر صلى الله عليه و سلم ربهبقلبهولميره ببصره وكذا رويعن محمد بن كعب القرظي بل أخرج عبدبن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال قالوا : يا رسول الله رأيت ربك قال : رأيته بفؤاديمرتين ولم أرهبعيني ثم قرأ ما كذب الفؤاد ما رأى وفي حديث عن ابن عباس يرفعه فجعل نور بصريفي فؤاديفنظرت إليه بفؤاديوكان التقدير في الآيةعلى هذا ما كذبالفؤاد فيما رأى ومنهم من ذهب إلى أن إحدىالرؤيتين كانت بالعين والأخرى بالفؤاد وهي رواية عن ابن عباس أخرج الطبراني وابن مردويه عنه أنه قال : إن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم رأى ربه عز و جل مرتين مرةببصرهومرة بفؤاده ونقل القاضي عياض عن بعض مشايخه أنه توقف أي

الصفحة 53