كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها والظاهر أن الثالثةالأخرى صفتان لمناة وهما على ما قيل : للتأكيد فإن كونها ثالثة وأخرى مغايرة لماتقدمها معلوم غير محتاج للبيان وقال بعض الأجلة : الثالثة للتأكيد و الأخرى للذم بأنها متأخرة في الرتبة وضيعة المقدار وتعقبه أبو حيان بأن آخر ومؤنثه أخرى لم يوضعالذم ولا لمدح وإنما يدلان على معنى غير والحق أن ذلك باعتبار المفهوم الأصلي وهي تدل على ذم السابقتين أيضا قال في الكشف : هي اسم ذم يدل على وضاعةالسابقتين بوجه أيضا لأن أخرى تأنيث آخر تستدعي المشاركة مع السابق فإذاأتى بها لقصد التأخر في الرتبة عملابمفهوما الأصلي إذ لا يمكن العمل بالمفهوم العرفي لأن السابقتين ليست ثالثة أيضااستدعت المشاركة قضاءا لحق التفضيل وكأنه قيل : الأخرى في التأخر انتهى وهوحسن وذكر في نكتة ذممناة بهذا الذم أنالكفرة كانوا يزعمون أنها أعظم الثلاثة فأكذبهم الله تعالى بذلك
وقال الإمام : الأخرى صفة ذم كأنه قال سبحانه : ومناة الثالثة الذليلة وذلك لأن اللات كان على صورة آدمي والعزي صورة نبات ومناة صورة صخرة فالآدمي أشرف من النبات والنبات أشرف من الجماد فالجماد متأخر ومناة جماد فهي في أخريات المراتب وأنت تعلم أنه لا يتأتى على كل الأقوال وقيل : الأخرى صفة للعزي لأنها ثانية اللات والثانية يقاللها الأخرى وأخرت لموافقة رءوس الآي وقال الحسن ابن المفضل : في الكلام تقديم وتأخير والتقدير والعزي الأخرى ومناة الثالثة ولعمري إنه ليس بشيء والكلام خطاب لعبدةهذه المذكورات وقد كانوا مع عبادتهم لها يقولون : إن الملائكة عليهم السلام وتلك المعبودات الباطلة بنات الله تعالى الله عن ذلك علواكبيرافقي لهم توبيخاوتبكيتا : أفرأيتم الخ والهمزة للإنكار والفاء لتوجيهه إلى ترتيب الرؤية على ما ذكر منشؤنالله تعالىالمنافية لها غاية المنافاة وهي علمية عند كثير ومفعولها الثاني على ما اختاره بعضهم محذوف لدلالة الحال عليه فالمعنى أعقيب ما سمعتم من آثار كمال عظمة الله عز و جل في ملكه وملكوته وجلاله وجبروته وإحكام قدرته ونفاذ أمره رأيتم هذه الأصنام مع غاية حقارتها بنات الله سبحانه وتعالى
وقوله تعالى : ألكم الذكر وله الأنثى
21
- توبيخ مبني ومداره تفضيل جانب أنفسهم على جنابه عز و جل حيث جعلوا له تعالى الإناث واختاروا لأنفسهم الذكور ومناط الأول نفس تلك النسبة وقيل : المعنى أرأيتم هذه الأصنام مع حقارتها وذلتها شركاء لله سبحانه مع ما تقدم من عظمته وقيل : المعنى أخبروني عن آلهتكم هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآية السابقة وقيل : المعنى أظننتم أن هذه الأصنام التي تعبدونهاتنفعكم وقيل المعنى أفرأيتم هذه الأصنام إن عبدتموها لا تنفعكم وإن تركتموها لا تضركم ولا يخفى أن قوله تعالى : لكم الخ لا يلتئم مع ما قبله على جميع هذه الأقوال التئامه علىالقول السابق وقيل : ن قوله سبحانه : ألكم الخ في موضع المفعول الثاني للرؤية وخلوها عن العائد إلى المفعول الأول لما أن الأصل أخبروني أن اللات والعزى ومناة ألكمالذكر وله هن أي تلك الأصنام فوضع موضعها الأنثى لمراعاة الفواصل وتحقيق مناط التوبيخ وهو على تكلفه يقتضي اقتصار التوبيخ على ترجيح جانبهم الحقير الذليل على جانب الله تعالى العزيز الجليل منغير تعرض للتوبيخ على نسبة الولد إليه سبحانه وفي الكشف وجه النظم الجليل أنه ما صور أمر الوحي تصويراتامماوحققه بأن ما يستمعه وحي لا شبهة فيه لأنه رأى الآي به وعرفه حق المعرفة قالسبحانه : أفتمارونه على ما يرى على معنى أتلاحونه بعد هذه البيانات على ما يرى من الآيات المحققة لأنه على بينة من ربه سبحانه هاديامهديا وأنى يبقى للمراء مجال وقد رآه نزلة أخرى !