كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
معمول الفعل صفة لمصدر محذوف أي هجوعا قليلا و من الليل صفة أو لغو متعلق بيهجعون و من للأبتداء وجملة يهجون خبر كان أو قليلا صفة لظرف محذوف أي زمانا قليلا و من الليل صفة على نحو قليل من المال عندي وإما موصولة عائدها محذوف فهي فاعل قليلا وهو خبر كان و من الليل حال من الموصول مقدم كأنه قيل : كانوا قد قل المقدارالذي يهجعون فيه كائنا ذلك المقدار من الليل وإما مصدرية فالمصدر فاعل قليلا وهو خبر كان أيضا و من الليل بيان لا متعلق بما بعده لأن معمول المصدر لا يتقدم أو حال من المصدر و من للأبتداء كذا في الكشف فهما من الكشاف وذهب بعضهم إلى أن من على زيادة ما بمعنى في كما في قوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمهة واعتراض ابن المنير احتمال مصدريتها بأنه لا يجوز في من الليل كونه صفة أو بيانا للقليل لأنه فيه واقع على الهجوع ولا صلة المصدر لتقدمه وأجيب بأنه بيان للزمان المبهم وحكىالطيبي أنه إما منصوب على التبيين أو متعلق بفعل يفسره يهجعون وجوز أن يكون ما يهجعون على ذلك الأحتمال بدلا من اسم كان فكأنه قيل : كان هجوعهم قليلا وهو بعيد وجوز في ما أن تكون نافية و قليلا منصوب بيهجعون والمعنى كانوا لا يهجعون من الليل قليلا ويحبونه كله ورواه ابن أبي شيبة وأبو نصر عن مجاهد ورده الزمخشري بأن ما النافية لا يعملما بعدها فيما قبلها لأن لها صدرالكلام وليس فيهاالتصرف الذيفي أخواتها كلا فإنها قد تكون كجزء مما دخلت عليه نحو عوتب بلا جرم ولم ولن لاختصاصهما بالفعل كالجزء منه وأنت تعلم أن منع العمل هو مذهب البصريين وفي شرح الهادي أن بعض النحاةأجازه مطلقا وبعضهم أجازه في الظرف خاصة للتوسع فيه واستدل عليه بقوله :
ونحن عن فضلك ما استغنينا
نعميرد على ذلكأن فيه كما في الأنتصاف خللا من حيث المعنىفإن طلب قيام الليل غيرمستثنى منه جزع للهجوع وإن قلغير ثابتفي الشرع ولا معهود اللهم إلا أن يدعيأن من ذهب إلى ذلك يقول : بأنه كان ثابتا في الشرع فقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عطاء أنه قال في الآية : كان ذلك إذا أمروا بقيام الليل كله فكان أبو ذر يعتمد على العصا فمكثوا شهرين ثم نزلت الرخصة فاقرءوا ما تيسر منه وقال الضحاك : كانوا قليلا في عددهم وتم الكلام عند قليلا ثم ابتدأ من الليل ما يهجعون على أن ما نافية وفيهما تقدم مع زيادة تفكيك للكلام ولعل أظهر الأوجه زيادة ما ونصب قليلا على الظرفية و من الليل صفةقيل : وفي الكلام مبالغات لفظ الهجوع بناءا على أنه القليل من النوم وقوله تعالى : قليلا و من الليل لأن الليل وقت السبات والراحة وزيادة ما لأنها تؤكد مضمون الجملة فتؤكد القلة وتحققها باعتبار كونها قيدا فيها
والغرض من الآيةأنهم يكابدون العبادة في أوقات الراحة وسكون النفس ولا يستريحون من مشاق النهار إلا قليلا قال الحسن : كابدوا قيام الليل لا ينامون نمنه إلا قليلا وعن عبد الله بن رواحة هجعوا قليلا ثم قاموا وفسر أنس بن مالك الآية كما رواه جماعة عنه وصححه الحاكم فقال : كانوا يصلون بين المغرب والعشاء وهي لا تدل على الأقتصارعلى ذلك وبالأسحار هم يستغفرون
18
- أي هم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم يداومون على الأستغفار في الأسحار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم ولم يتفرغوا فيه للعبادة وفي بناء الفعل على الضمير إشعار بأنهم الأحقاء بأن يوصفوا بالأستغفار كأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه
وفي الآيةمن الإشارة إلى مزيد خشيتهم وعدم اغترارهم بعبادتهم ما لا يخفى وحملا لاستغفار على حقيقته المشهودة هو الظاهر وبه قال الحسن
الصفحة 8
200