كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
غير ثابتة عن الحسن وقوله تعالى : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين رد لما زعموه ضمنا من عزتهم وذل من نسبوا إليه الذل وحاشاه منه أي ولله تعالى الغلبة والقوة ولمن أعزه الله تعالى من رسوله صلى الله عليه و سلم والمؤمنينلا للغير ويعلم مما أشرنا إليه توجيه الحصر المستفاد من تقديم الخبر وقيل : إن الضعف معتبر قبل نسبة الإسناد فلا ينافي ذلك ولا يضر إعادة الجار لأنها ليست لإفادة الأستقلال في النسبة بل لإفادة تفاوت ثبوت العزة فإن ثبوتها لله تعالى ذاتي وللرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بواسطة الرسالة وللمؤمنين بواسطة الإيمان وجاء من عدة طرق أن عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان مخلصا سل سيفه على أبيه عندما أشرفوا على المدينة فقال : والله علي أن لا أغمده حتى تقول : محمد الأعز وأنا الأذل فلم يبرح حتى قال ذلك وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه وقف والناس يدخلون حتى جاء أبوه فقال : وراءك قال : مالك ويلك ! قال : والله لا تدخلها أبدا إلا أن يأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولتعلمن اليوم الأعز من الأذل فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم فشكا إليه ما صنع ابنه فأرسل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن خل عنه يدخل ففعل وصح من رواية الشيخين والترمذي وغيرهم عن جابر بن عبد الله أنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال ابن أبي قام عمر رضي الله تعالى عنه فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وفي رواية عن قتادة أنه قال له عليه الصلاة و السلام : يا نبي الله مر معاذا أن يضرب عنق المنافق فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك وفي الآية من الدلالة على شرف المؤمنين ما فيها ومن هنا قالت بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة : ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه
وعن الحسن بن علي على رسول الله وعليهم الصلاة والسلام أن رجلا قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيها قال : ليس بتيه ولكنه عزة وتلا هذه الآية وأريد بالتيه الكبر وأشار العز إلى أن العزة غير الكبر وقد نص على ذلك أبو حفص السهروردي قدس يره فقال : العزة غير الكبر لأن العزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها أن لا يضعها لأقسام عاجلة كما أن الكبر جهل الأنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها فالعزة ضد الذلة كما أن الكبر ضد التواضع وفسر الراغب العزة بحالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم : أرض عزار أي صلبة وتعزز اللحم اشتد كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه وقد تستعار للحمية والأنفة المذمومة وهي بهذا المعنى تثبت للكفرة وتفسيرها بالقوة والغلبة كما سمعت شائع ولك أن تريد بها هنا الحالة المانعة من المغلوبية فإنها أيضا ثابتة لله تعالى ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وللمؤمنين على الوجه اللائق بكل
ولكن المنافقين لا يعلمون
8
- من فرط جهلهم وغرورهم فيهذون ما يهذون والفعل هنا منزل منزلة اللازمفلذا لم يقدر له مفعول ولا كذلك الفعل فيما تقدم وهو ما اختاره غير واحد من الأجلة وقيل في وجهه : إن كون العزة لله عز و جل مستلزم لكون الأرزاق بيده دون العكس فناسب أن يعتبر الأخلاق في الجملة المذيلة لما يفيد كون العزة له سبحانه قصدا للمبالغة والتقييد للجملة المذيلة لما يفيد كون الأرزاق بيده تعالى ثم قيل : خص الجملة الأولى ب لا يفقهون والثانية ب لا يعلمون لأن إثبات الفقه للإنسان أبلغ من إثبات العلم له فيكون نفي العلم أبلغ من نفي الفقه فأوتر ما هو أبلغ لما هو أدعى له
وعن الراغب معنى قوله تعالى : هم يقولون لا تنفقوا الخ أنهم يأمرون بالأضرار بالمؤمنين وحبس