كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

على الموضع والعطف على التوهم أن العامل في العطف على الموضع موجود وأثره مفقود والعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود واستظهر أن الخلاف لفظي فمراد أبي على والزجاج العطف على الموضع المتوهم أي المقدر إذ لا موضع هنا في التحقيق لكنهما فرا من قبح التعبير
وقرأ الحسن وابن جبير وأبو رجاء وابن أبي إسحاق ومالك بن دينار والأعمش وابن محيصن وعبد الله بن الحسن العنبري وأبو عمرو وأكون بالنصب وهو ظاهر وقرأ عبيد بن عمير وأكون بالرفع على الأستئناف والنحويون وأهل المعاني قدروا المبتدأ في أمثال ذلك من أفعال المستأنفة فيقال هنا : أي وأنا أكون ولا تراهم يهملون ذلك ووجه بأن ذلك لأن الفعل لا يصلح للأستئناف مع الواو الأستئنافية كما هنا ولا بدونها وتعقب بأنه لم يذهب إلى عدم صلاحيته لذلك أحد من النحاة وكأنه لهذا صرح العلامة التفتازانيبأن التزام التقدير مما يظهر له وجهه وقيل : وجهه أن الإستئناف بالأسمية أظهر وهو كما ترى وجوز كون الفعل على هذه القراءة مرفوعا بالعطف على أصدق على نحو القولين السابقين في الجزم هذا وعن الضحاك أنه قال في قوله تعالى : وأنفقوا مما رزقناكم يعني الزكاة والنفقة في الحج وعليه قول ابن عباس فيما أخرج عنه ابن المنذر : فأصدق أزكى وأكن من الصالحين أحج وأخرج الترمذي وابن جرير والطبراني وغيرهمعنه أيضا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كان له ماليبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعلسأل الرجعة عند الموت فقال له رجل : يا ابن عباس اتق الله فإنما يسأل الرجعة الكفار فقال : سأتلو عليكم بذلك قرآنا يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله إلى آخر السورة كذا في الدر المنثور
وفي أحكام القرآن رواية الترمذي عنه ذلك موقوفا عليه وحكى عنه في البحر وغيره أنه قال : إن الآية نزلت في مانع الزكاة ووالله لو رأى خيرا لما سأل الرجعة فقيل له : أما تتقي الله يسأل المؤمنون الكفرة ! فأجاب بنحو ما ذكر ولا يخفى أن الأعتراض عليه وكذا الجواب أوفق بكونه نفسه ادعى سؤالالرجعة ولم يرفع الحديث بذلك وإذا كان قوله تعالى : لو لا أخرتني الخ سؤالا للرجعة بمعنى الرجوع إلى الدنيا بعد الموت لم يحتج قوله تعالى : من قبل أن يأتي أحدكم الموت إلى تقدير مضاف كما سمعت آنفا
ولن يؤخر الله نفسا أي ولن يمهلها إذا جآء أجلها أي آخرعمرها أو انتهى الزمان الممتد لها من أول العمر إلى آخره على تفسير الأجلة به والله خبير بما تعملون
11
- فمجاز عليه وقرأ أبو بكر بالياء آخر الحروف ليوافق ما قبله في الغيبة ونفسا لكونها نكرة في سياق النفي في نعنى الجمع واستدل الكيا بقوله تعالى : وأنفقوا الخ على وجوبإخراج الزكاة على الفور ومنع تأخيرها ونسب للزمخشري أنه قال : ليس في الزجر عن التفريط هذه الحقوق أعظم من ذلك فلا أحد يؤخر ذلك إلا ويجوز أن يأتيه الموت عن قريب فيلزمه التحرز الشديد عن هذا التفريط في كل وقت وقد أبطل الله تعالى قول المجبرة من جهات : منها قوله تعالى : وأنفقوا ومنها أنه إن كان قبل حضور الموت لم يقدر على الإنفاق فكيف يتمنى تأخير الأجل ومنها قوله تعالى مؤيسا له في الجواب : ولن يؤخر الله ولو لا أنه مختار لأجيب باستواء التأخير والموتحين التمني وأجيب بأن أهل الحق لا يقولون بالجبر فالبحث ساقط عنهم على أنه لا دلالة في الأول كما في سائر الأوامر كما حقق في موضعه والتتمني وهو متمسك الفريق لا يصح الأستدلال به والقول المؤيس إبطال لتمنيهم لا جواب عنه إذ لا استحقاق لوضوح البطلان والله تعالى أعلم

الصفحة 118