كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

سورة التغابن
مدنية في قول الأكثرين وعن ابن عباس وعطاءبن يسار أنها مكية إلا آيات من آخرها يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم الخ وعدد آيها تسع عشرة آية بلا خلاف ومناسبتها لما قبلها أنه سبحانه ذكر هناك حال المنافقين وخاطب بعد المؤمنين وذكر جل وعلا هنا تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر وأيضا في آخر تلك لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم وفي هذه إنما أموالكم وأولادكم فتنة وهذه الجملة على ما قيل : كالتعليل لتلك وأيضا في ذكر التغابن نوع حث على الإنفاق قبل الموت المأمور به فيما قبل واستنبط بعضهم عمر النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثا وستين من قوله تعالى في تلك السورة : ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها فإنها رأس ثلاث وستين سورة وعقبها سبحانه بالتغابن ليظهر التغابن في فقده عليه الصلاة و السلام
بسم الله الرحمن الرحيم يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض أي ينزهه سبحانه وتعالى جميع المخلوقات عما لا يليق بجانب كبريائه سبحانه تسبيحا مستمرا وذلك بدلالتها على كماله عز و جل واستغنائه تعالى والتجدد باعتبار تجدد النظر في وجوه الدلالة على ذلك له الملك وله الحمد لا لغيره تعالى إذ هو جل شأنه المبديء لكل شيء وهو القائم به والمهيمن عليه وهو عز و جلالمولي لأصول النعم وفروعها وأما ملك غيره سبحانه فاسترعاء منه تعالى وتسليط وأما حمد غيره تبارك وتعالى فلجريان إنعامه تعالى على يبده فكلا الأمرين له تعالىفي الحقيقة ولغيره بحسب الصورة وتقديم له الملك لأنه كالدليل لما بعده وهو على كل شيء قدير
1
- لأن نسبة ذاته جل شأنه المقتضية للقدرة إلى الكل سواء فلا يتصور كون بعض مقدورا دون بعض وقوله تعالى : هو الذي خلقكم الخ بيان لبعض قدرته تعالى العامة والمراد هو الذي أوجدكم كما شاء وقوله تعالى : فمنكم كافر ومنكممؤمن أي فبعضكم كافر به تعالى وبعضكم مؤمن به عز و جل أو فبعضمنكم كافر به سبحانه وبعض منكم مؤمن به تعالى تفصيل لما في خلقكم من الإجمال لأن كون بعضهم أو بعض منهم كافرا وكون بعضهم أو بعض منهم مؤمنا مراد منه فالفاء مثلها في قوله تعالى : واللهخلق كل دابة من ماء فمنهم منيمشي على بطنه الخ فيكون الكفر والإيمان في ضمن الخلق وهو الذي تؤيده الأخبار الصحيحة كخبر البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود عن ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثلذلك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات : يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح الحديث وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابنمردويه عن ابن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا مكث الني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب فيقول : يارب أذكر أم أنثى فيقضي الله ما هو قاض فيقول : أشقي أم سعيد فيكتب ما هو لاق
وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله تعالى : وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير والجمع بين الخبرين مما لا يخفى على من أوتي نصيبا من العلم و وتقديم الكفر لأنه الأغلب

الصفحة 119