كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

المعطوف بالفاء يكفيه وجود العائد في إحدى الجملتين كما قرروه في نحو الذي يطير فيغضب زيد الذباب أو يقال : فيها رابط التأويل أي فمنكم من قدر كفره ومنكم من قدرإيمانه أو فمنكم كافر به ومنكممؤمن به ويقدر الحذفتديرجا وجوز أن يكون العطف على جملة هو الذي خلقكم
خلق السماوات والأرض بالحق بالحكمة بالبالغة المتضمنة للمصالح الدينية والدنيوية قيل : وأصل الحقمقابل الباطل فأريد به الغرض الصحيح الواقع على أتم الوجوه وهو الحكمة العظيمة
وصوركم فأحسن صوركم حيث برأكم سبحانه في أحسن تقويم وأودع فيكم من القوى والمشاعرالظاهر والباطنة ما نيط بها جميع الكمالات البارزة والكامنة وزينكم بصفوة صفات مصنوعاته وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته وجعلكم أنموذج جميع مخلوقاته في هذه النشأة وقد ذكر بعض المحققين أن الإنسان جامع بين العالم العلوي والسفلي وذلك لروحه التي هي من عالم المجردات وبدنه الذي هو من عالم الماديات وأنشدوا : وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ولعمري أن الإنسان أعجب نسخة في هذاالعالم قد اشتملت على دقائق أسرار شهدت ببعضها الآثاروعلم ما علم منها ذوو الأبصار وخص بعضهم الصورة بالشكل المدرك بالعين كما هو المعروف وكل ما يشاهد من الصورة الإنسانية حسن لكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب فلا نحطاط بعضها عنمراتب ما فوقها انحطاطا بينا وإضافتها إلى الموفي عليها لا تستملح وإلا فهي داخلة في حيزالحسن غير خارجة من حده ألا ترى أنك قد تعجب بصورة وتستملحها ولا ترى الدنيا بها ثم ترى أملح وأعلى في مراتب الحسن فينبو عن الأولى طرفك وتستثقل النظرإليها بعد افتتانك بها وتهالكك عليها وقالت الحكماء : شيآن لا غية لهما : الجمال والبيان
وقرأ زيد بن علي وأبو رزين صوركم بكسر الصاد والقياس الضم كما في قراءة الجمهور
وإليه المصير
3
- في النشأة الأخرى لا إلى غيره استقلالا أو اشتراكا فاصرفوا ما خلق لكم فيما خلق له لئلا يمسخ ما يشاهد من حسنكم بالعذاب يعلم ما في السماواتوالأرض من الأمور الكليةوالجزئية والأحوال الجلية والخفية ويعلم ما تسرون وما تعلنون أي ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الأمور والتصريح به مع اندراجه فيما قبله للأعتناء بشأنه لأنه الذي يدور عليه الجزاء وقوله تعالى : والله عليم بذات الصدور
4
- اعتراض تذييلي مقرر لما قبله من شمول علمه تعالى لسرهم وعلنهم أيهو عز و جل محيط بجميع المضمرات المستكنة في صدور الناس بحيث لا تفارقها أصلا فكيف يخفى عليه تعالى ما يسرونه وما يعلنونه وإظهار الجلالة للإشعار بعلة الحكم وتأكيد استقلال الجملة قيل وتقديم تقرير القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرته تعالى بالذات وعلى علمه سبحانه لما فيها من الأتقان والأختصاص ببعض الأنحاء

الصفحة 121