كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

وقرأ عبيد بن أبي عمرو وأبان عن عاصم ما يسرون وما يعلنون بياء الغيبة ألم يأتكم أي أيها الكفرة لدلالة ما بعد على تخصيص الخطاب بهم وظاهر كلام بعض الأجلة أن المراد بهم أهل مكة فكأنه قيل : ألم يأتكم يا أهل مكة نبؤ الذين كفروا من قبل كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم من الأمم المصرةعلى الكفر فذاقوا وبال أمرهم أي ضرر كفرهم في الدنيا من غير مهلة وأصل الوبال الثقل والشدة المترتبة على أمر من الأمور ومنه الوبيل لطعام يثقل على المعدة والوابل للمطر الثقيل القطار واستعمل للضر لأنه يثقل على الإنسان ثقلا معنويا وعبر عن كفرهم بالأمر للإيذانبأنه هائل وجناية عظيمة ولهم في الآخرة عذاب أليم
5
- لا يقادر قدره ذلك أ ما ذكر من الذعاب الذي ذاقوه في الدنيا وما سيذوقونه في الآخرة بأنه أي بسبب أن الشأن
كانت تأتيهم رسلهم بالبينات بالمعجزات الظاهرة فقالوا عطف على كانت
أبشر يهدوننا أي قال كل قوم من أولئك الأقوال الذين كفروا في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزاتمنكرين لكون الرسول من جنس البشر أو مجتمعين من ذلك يهدينا كما قالت ثمود : أبشرا منا واحدا نتبعه وقد أجمل في الحكاية فأسند القول إلى جميع الأقوام وأريد بالبشر الجنس فوصفبالجمع كما أجمل الخطاب والأمر في قوله تعالى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وارتفاع بشر على الأبتداء وجملة يهدوننا هو الخبر عند الحوفي وابن عطية والأحسن أن يكون مرفوعا على الفاعلية بفعل محذوف يفسره المذكور لأن همزة الأستفهام أميل إلى الفعل والمادة من باب الأشتفال فكفروا بالرسل عليهم السلام وتولوا على التأمل فيما أتوا من البينات وعن الإيمان بهم واستغنى الله أي أظهر سبحانه غناه عن إيمانهم وعن طاعتهم حيث أهلكهم وقطع دابرهم ولو لا غناه عز و جل عنهما لما فعل ذلك والجملة عطف على ما قبلها وقيل : في موضع الحال على أن المعنى فكفروا وتولوا وقد استغنى الله تعالى عن كل شيء والأول هو الوجه والله غني عن العالمين فضلا عن إيمانهم وطاعتهم حميد
6
- يحمده كل مخلوق بلسان الحال الذي هو أفصح من لسان المقال أو مستحق جل شأنه للحمد بذاته وإن لم يحمده سبحانه حامد زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا الزعم ادعاء العلم وأكثر ما يستعمل للأدعاء الباطل
وعن ابن عمر وابن شريح إنه كنية الكذب واشتهر أنه مطية الكذب ولما فيه من معنى العلم يتعدىإلى مفعولين وقد قام مقامهما هنا أن المخففة وما في حيزها والمراد بالوصول على ما في الكشافأهل مكة فهو على ما سمعت في الخطاب من إقامة الظاهر مقام المضمر ويؤيده ظاهرا قوله تعالى : قل بلى وربي لتبعثن قال في الكشف : ويحتمل التعميم فيتناولهم وأضرابهم لتقدم كفار مكةفي الذكر وغيرهم ممن حملوا على الأعتبار بحالهم وهذا أبلغ أي زعموا أن الشأن لن يبعثوا بعد موتهم قل ردا عليهم وإظهارا لبطلان زعمهم بإثبات ما نفوه بلى تبعثون وأكد ذلك بالجملة القسمية فهي داخلة

الصفحة 122