كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

القول على ظاهره وهو حسن إلا أن التغابن فيه السعداء والأشقياء على التقابل والأحسن الإطلاق وتغابن السعداء على الزيادة ثبت في الصحاح واختار ذلك محيي السنة حيث قال : التغابن تفاعل من الغبن وهوفوت الحظ والمراد بالمغبون من غبن في أهله ومنازله في الجنة فيظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان قال الطيبي : وعلى هذا الراغب حيث قال : الغبن أن يبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء فإن كان ذلك في مال يقال : غبن فلان بضم الغين وكسر الباء وإن كان في رأي يقال : غبن بفتح الغين وكسر الباء و يوم التغابن يوم القيامة لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله تعالى : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله وقوله سبحانه : إن اللهاشترى من المؤمنين أنفسهم وقوله عز و جل : الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا فعلم أنهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا انتهى والجملة مبتدأ وخبر والتعريف للجنس وفيها دلالة على استعظام ذلك اليوم وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا وإن جلت وعظمت
ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا أي عملا صالحا يكفر أي الله تعالى عنه سيئاته في ذلك اليوم ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا أي مقدرين الخلود فيها والجمع باعتبار معنى من كما إن الإفراد باعتبار لفظه وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر وطلحة ونافع وابن عامر والمفضل عن عاصم وزيد بن علي والحسن بخلاف عنه نكفر وندخله بنون العظمة فيهما ذلك أي ما ذكرمن تكفير السيآت وإدخال الجنات الفوز العظيم
9
- الذي لا فوز وراءه لانطوائه على النجاة من أعظم الهلكات والظفر بأجل الطلبات
الذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير
10
- أي النار وكأن هذه الآية والتي قبلها لاحتوائهما على منازل السعداء والأشقياء بيان للتغابن على تفسيره بتغابن الفريقين على التقابل ولما فيه من التفصيل نزل منزلة المغاير فعطف بالواو وكذا على الإطلاق لكنه عليه بيان في الجملة
ما أصاب من مصيبة أي ما أصاب أحدامصيبةعلى أن المفعول محذوف و من زائدة و مصيبة فاعل وعدم إلحاق التاء في مثل ذلك فصيح لكن الإلحاق أكثر كقوله تعالى : ما تسبق من أمة أجلها وما تأتيهم من آية والمراد بالمصيبة الرزية وما يسوء العبد في نفس أو مال أو ولد أو قول أوفعل أي ما أصاب أحدا من رزايا الدنيا أي رزية كانت إلا بإذن الله أي بإرادته سبحانه وتمكينه عز و جل كأن الرزية بذاتها متوجهةإلى العدبمتوقفة على إرادته تعالى وتمكينه جل وعلا وجوز أن يراد بالمعصية الحادثة من شر أو خير وقد نصواعلى أنها تستعمل فيمايصيب العبد من الخير وفيما يصيبه من الشر لكن قيل : إنهافي الأول من الصوبأي المطر وفي الثاني من إصابة السهم والأول هو الظاهر وإن كان الحكم بالتوقف على الأذن عاما
ومن يؤمن بالله يهد قلبه عند إصابتها للصبر والأسترجاع على ما قيل وعن علقمة للعلم بأنها من عند الله تعالى فيسلم لأمرالله تعالىويرضى بها وعن ابن مسعود قريب منه وقال ابن عباس : يهد قلبه لليقين فيعلمأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأهلم يكن ليصيبه وقيل : يهد قلبه أي يلطف به ويشرحه لازدياد

الصفحة 124