كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

من هذه الآية لا يمائها إلى أن من لا يتوكل على الله تعالى ليس بمؤمن وهي على ما قال الطيبي : كالخاتمة والفذلكة لما تقدم وكالمخلص إلى مشرع آخر
يا أيها الذين آمنواإن أزواجكم وأولادكم عدوا لكم أي إن بعضهم كذلك فمن الأزواج أزواجا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ويجلبن عليهم ومن الأولاد أولادا يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى وقد شاهدنا من الأزواج من قتلت زوجها ومن افسدت عقله بإطعام بعض المفسدات للعقل ومن كسرت قارورة عرضه ومن مزقت كيس ماله ومن ومن وكذا من الأولاد من فعل نحو ذلك فاحذروهم أي كونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم والضمير للعدو فإنه يطلق على الجمع نحو قوله تعالى : فإنهمعدو لي المأمور به الحذر عن الكل أو للأزواج والأولاد جميعا فالمأمور به الحذر عن البعض لأن منهم من ليس بعدو وإما الحذر عن مجموع الفريقين لاشمالهم على العدو وإن عفوا عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن كون معلقة بأمور الدنيا أو بأمور الدينلكن مقارنةللتوبة بأن لم تعاقبوهم عليها وتصفحوا تعرضوا بترك الترثيب والتعيير وتغفروا تستروها بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها فإن الله غفور رحيم
14
- قائم مقام الجواب والمراد يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم فإنه عز و جل غفور رحيم ولما كان التكليف ههنا شاقا لأن الأذى الصادر ممن أحسنت إليه أشد نكاية وأبعث على الأنتقام ناسب التأكيد في قوله سبحانه : وإن تعفو الخ وقال غير واحد : إن عداوتهم من حيث أنهم يحولون بينهم وبين الطاعات والأمور النافعة لهم في آخرتهم وقد يحملونهم على السعي في اكتساب الحرام وارتكاب الآثام لمنفعة أنفسهم كما روي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم يأتي زمان على أمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجته وولده يعيرانه بالفقر فيركب مراكب السوء فيهلك
ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم على أن يكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سببا لذلك وإن لم يطلبوه منه فيهلك وسبب النزول أوفق بهذا القول
أخرج الترمذي والحاكم وصححاه وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم الخ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى الآية وفي رواية أخرة عنه أنه قال : كان الرجل يريد الهجرة فيحبسه امرأته وولده فيقول : أما والله لئن جمع اللهبيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلن ولأفعلن فجمع الله عز و جل بينهم في دار الهجرة فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم الآية
وقيل : إنهم قالوا لهم لئن جمعنا الله تعالى في دار الهجرة لم نصبكم فلما هاجروا منعوهم الخير فنزلت وعن عطاء بن أبي رباح أن عوف بن مالك الأشجعي أراد الغزو مع النبي صلى الله عليه و سلم فاجتمع أهله وأولاده فثبطوه وشكوا فراقه فرق ولم يغز ثم إنه ندم فهم بمعاقبتهم واستدلبها على أنه لا ينبغي للرجل أن يحقد على زوجته وولده إذا جنوا معه جناية وأن لا يدعو عليهم إنما أموالكم وأولادكم فتنة أي بلاء

الصفحة 126