كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
وبيان لكون الأمور خيرا لأنفسهم من الأموال والأولاد وفيه شمة من التجريد وعند أبي عبيد على أنه خبر ليكن مقدرا جوابا للأمر أي يكن خبرا وعند الفراء والكسائي على أنه نعت لمصدر محذوف أي إنفاقا خيرا وقيل : هو نصب بأنفقوا والخير والمال وفيه بعد من حيث المعنى وقال بعض الكوفيين : هو نصب على الحال وهو بعيد في المعنى والأعراب ومن يوق شح نفسه وهو البخل مع الحرص
فأولئك هم المفلحون
16
- الفائزون بكل مرام إن تقرضوا الله تصرفوا المال إلى المصارف التي عينها عز و جل وفي الكلام استعارة تمثيلية قرضا حسنا مقرونا بالإخلاص وطيب النفس يضاعفه لكم يجعل لكم جل شأنه بالواحد عشرا إلى سبعمائة وأكثر وقريء يضعفه ويغفر لكم ببركة الإنفاق ما فرط منكم من بعض الذنوب والله شكور يعطي الجزيل بمقابلة النزر القليل حليم
17
- لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة الذنوب عالم الغيب والشهادة لا يخفى عليه سبحانه شيء العزيز الحكيم
18
- المبالغ في القدرة والحكمة وفي الآية من الترغيب بالإنفاق ما فيها لكن اختلف في المراد به فقيل : الإنفاق المفروض يعني الزكاة المفروضة وقد صرح به وقيل : الإنفاق المندوب وقيل : ما يعم الكل والله تعالى أعلم
سورة الطلاق
وتسمى سورة النساء القصرى كذا سماها ابن مسعود كما أخرجه البخاري وغيره وأنكره الداوودي فقال : لا أرى القصرى محفوظا ولا يقال لشيء من سور القرآن : قصرى ولا صغرى وتعقبه ابن حجر بأنه زد للأخبار الثابتة بلا مستند والقصر والطول أمر نسبي وقد أخرج البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال : طولي الطوليين وأراد بذلك سورة الأعراف وهي مدنية بالإتفاق
واختلف في عدد آياتها ففي البصري إحدى عشرة آية وفيما عداه اثنتا عشرة آية ولما ذكر سبحانه فيما تقدم إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم وكانت العداوة قد تفضي إلى الطلاق ذكر جل شأنه هنا الطلاق وأرشد سبحانه إلى الإنفصال منهن على الوجه الجميل وذكر عز و جل أيضا ما يتعلق بالأولاد في الجملة فقال عز من قائل : بسم الله الرحمن الرحيم يآ أيها النبي إذا طلقتم النساء خص النداء به صلى الله تعالى عليه وسلم وعم الخطاب بالحكم لأن النبي عليه الصلاة و السلام إمام أمته كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت إظهارا لتقدمه واعتبارا لترؤسه وأنه المتكلم عنهم والذي يصدرون عن رأيه ولا بستبدون بأمر دون فكان وحده في حكمهم كلهم وسادا مسد جنيعهم وفي ذلك من إظهار جلالة منصبه عليه الصلاة و السلام ما فيه ولذلك اختير لفظ النبي لما فيه من الدلالة على علو مرتبته صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : الخطاب كالنداء له صلى الله تعالى عليه وسلم إلا أنه اختير ضمير الجمع للتعظيم نظير ما في قوله :
ألا فارحموني يا إله محمد
وقيل : إنه بعد ما خاطبه عليه الصلاة و السلام بالنداء صرف سبحانه الخطاب عنه لأمته تكريما له صلى الله تعالى عليه وسلم لما في الطلاق من الكراهة فلم يخاطب به تعظيما وجعل بعضهم الكلام على هذا بتقدير القول أي قل لأمتك : إذا طلقتم وقيل : حذف نداء الأمة والتقدير يا أيها النبي