كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

وأمة النبي إذا طلقتم وأيا ما كان فالمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف للفعل منزلة الشارع فيه واتفقوا على أنه لو لا هذا التجوز لم يستقم الكلام لما فيه من تحصيل الحاصل أو كون المعنى إذا طلقتم فطلقوهن مرة أخرى وهو غير مراد وقال بعض المحققين : لك أن تقول : لا حاجة إلى ذلك بل هو تعليق الخاص بالعام وهو أبلغ في الدلالة عل اللزوم كما يقال : إن ضربت زيدا فاضربه ضربا مبرحا لأن المعنى إن يصدر منك ضرب فليكن ضربا شديدا وهو أحسن من تأويله بالإرادة فتدبر انتهى وأنت تعلم أن المتبادر فيما ذكره كونه على معنى الإرادة أيضا فطلقوهن لعدتهن أي لاستقبال عدتهن واللام للتوقيت نحو كتبته لأربع ليال يقين من جمادي الأولى أو مستقبلات لها على ما قدره الزمخشري وتعقبه أبو حيان بما فيه نظر واعتبار الأستقبال رأي من يرى أن العدة بالحيض وهي القروء في آية البقرة كالإمام أبي حنيفة ليكون الطلاق في الطهر وهو الطلاق المأمور به والمراد بالأمر بإيقاعه في ذلك النهي عن إيقاعه في الحيض
وقد حصروا جميعا بأن ذلك طلاق وبدعى حرام وقيد الطهر بكونه لم يجامعن فيه واستدل لذلك ولاعتبارالأستقب بما أخرجه الإمامان : مالك والشافعي والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وآخرون عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر رضي الله تعالى عنه لرسولالله صلى الله تعالى عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قال : ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيضفتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء
وقرأ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن وكان ابن عمر كما أخرج عنه ابن المنذر وغيره يقرأ كذلك وكذلك ابن عباس وفي رواية عنهما أنهما قرآ لقبل عدتهن ومن يرى أن العدة بالإطهار وهي القروء في تلك الآية كالإمام الشافعي يعلق لام التوقيت بالفعل ولا يعتبر الأستقبال واعترض على التتأويل بمستقبلات لعدتهن بأنه إن إريد التلبس بأولها فهو للشافعي ومنيرى رأيه لا عليه وعلى المخالف لا له وإن أريد المشارفة عادة فخلاف مقتضى اللفظ لأن اللازم إذا دخلت الوقتأفادت معنى التأقيت والإختصاص بذلك الوقت لا استقبال الوقت وعلى الأستدلال بقراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حسبما تضمنه الحديث السابق بأن الشيء أوله نقيض دبره فهي مؤكدة لمذهب الشافعي لا دافعة له ويشهد لكون العدة بالإطهار قراءة ابن مسعود لقبل طهرهن ومنهم من قال : التقدير لأطهارعدتهن وتعقب بأنه إن جعلت الإضافة بمعنى من دل على أن القرء هو الحيض والطهر معا وإن جعلت بمعنى اللام فيكفي ما في قولك لأطهار الحيض من التنافر ردا مع ما فيه من الأضمار من غير دليل
وفي الكشافالمراد أي في الآية أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهنوهوأحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعد من الندم ويدلعليه ما روي عن إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كانوا يستحبون أن لا يطلقها للسنة إلا واحدة ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي العدةوكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا في أطهار وقال مالك : لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة وكان يكره الثلاث مجموة كانت أو مفروقة وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد عل الواحدة في طهر واحد

الصفحة 129