كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
فأما مفروقا في الأطهار فلا لما روي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض : ما هكذا أمرك الله إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا وتطلقها لكل قرء تطليقة وروي أنه عليه الصلاة و السلام قال لعمر : مر ابنك فليراجعها ثم ليدعها حتى تحيض ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء
وعند الشافعي لا بأس بإرسال الثلاث وقال : لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح فمالك يراعي في طلاق السنة الواحدة والوقت وأبو حنيفة يراعي التفريق والوقت والشافعي يراعي الوقت انتهى
وقد فتح القدير في الأحتجاج على عدم كراهة التفريق على الإطهار وكونه من الطلاق السني غير ما ذكر عن ابن عمر أيضا وقد قال فيها ما قال إلا أنه في الآخرة رجح قبولها والمراد بإرسال الثلاث دفعة ما يعم كونها بألفاظ متعددة كأن يقال : أنت طالق أنت طالق أنت طالق أو بلفظ واحد كأن يقال : أنت طالق ثلاثا وفي وقوع هذا خلاف وكذا في وقوع الطلاق مطلقا في الحيض فعند الإمامية لا يقعالطلاق بلفظ الثلاث ولا في حالة الحيض لأنه بدعة محرمة وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ونقله غير واحد عن ابن المسيب وجماعة من التابعين وقال قوم منهم فيما قيل طاوس وعكرمة : الطلاق الثلاث بفم واحد يقع به واحدة وروي هذا أبو داود عن ابن عباس وهو اختيار ابن تيمية من الحنابلة وفي الصحيحين أن أبا الصهباء قال لابن عباس : ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعلواحدةعلى عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر قال : نعم وفي روايةلمسلم أن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم ومنهم من قال في المدخول بها : يقع ثلاث وفي الغير واحدة لمافي مسلم وأبي داود والنسائي أن أبا الصهباء كان كثير السؤال من ابن عباس قال : أما علمت أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة فقال ابن عباس : بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بهاجعلوا ذلك واحدة على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبيبكر وصدر من خلافة عمر الحديث والذي ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين ومنهم الأئمة الأربعة وقوعالثلاث بفم واحد بل ذكر الإمام ابن الهمام وقوع الإجماع السكوتي من الصحابة على الوقوع
ونقل عن أكثر مجتهديهم كعلي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وابنمسعود وأبي هريرة وعثمان ابن عفان وعبد الله بن عمرو بن العاص الإفتاء الصريح بذلك وذكر أيضا أن إمضاء عمر الثلاث عليهممععدم مخالفة الصحابة له مع علمهم بأنها كانت واحدة لا يمكن إلا لأنهم قد أطلعوا في الزمان المتأخر على وجود ناسخ أو لعلمهم بانتهاء الحكم لعلمهم بإناطته بمعان علموا انتهاءها في الزمان المتأخر واستحسن ابن حجر في التحفة الجواب بالأطلاع على ناسخ بعد نقله جوابين سواه وتزييفه لهما وسيأتي إن شاء الله تعالبعض أخبار مرفوعة يستدل بها على وقوع الثلاث لكن قيل : إن الثلاث فيها ما يحتمل أن تكون بألفاظ ثلاثة كأنت طالق أنتطالق أنت طالق ولعله هو الظاهر لا بلفظ واحد كأنت طالقثلاثا وحينئذ لا يصلح ذلك للرد على من لم يوقع الثلاث بهذا اللفظلكن إذاصح الإجماع ولو سكوتيا على الوقوع لا ينبغي إلا الموافقة والسكوت وتأويل ما روي عن عمر ولذا قال بعض الأئمة : لو حكم قاض بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه