كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال : بلغنا أن قوله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم الآية نزل في عبد الله ابن عمرو بن العاص وطفيل بن الحرث وعمرو بن سعيد بن العاص وقال بعضهم : فعله ناس منهم ابن عمرو ابن العاص وعتبة بن غزوان فنزلت الآية وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين أنها نزلت في حفصة بنت عمر طلقها رسول الله صلى الله عليه و سلم واحدة فنزلت إلى قوله تعالى : يحدث يعد ذلك أمرا فراجعها عليه الصلاة و السلام ورواه قتادة عن أنس وقال القرطبي نقلا عن علماء الحديث : إن الأصح أنها نزلت ابتداءا لبيان حكم شرعي وكل ما ذكر من أسباب النزول لها لم يصح وحكى أبو حيان نحوه عن الحافظ أبي بكر بن العربي وظاهرها أن نفس الطلاق مباح واستدل له أيضا بما رواه أبو داود وابن ماجه عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : إن من أبغض المباحات عند الله عز و جل الطلاق وفي لفظ أبغض الحلال إلى الله الطلاق لوصفه بالإباحة والحل لأن أفعل بعض ما يضاف إليه والمراد من كونه مبغوضا التنفير عنه أو كونه كذلك من حيث أنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة لا من حيث حقيقته في نفسه
وقال البيهقي : البغض على إيقاعه كل وقت من رعاية لوقته المسنون وبطلاقه صلى الله عليه و سلم حفصة ثم أمره تعالى إياه أن يراجعها فإنها صوامة قوامة وقال غير واحد : هو محظور لما فيه من كفران نعمة النكاح ولقوله عليه الصلاة و السلام : لعن الله كل مذواق مطلاق وإنما أبيح للحاجة قال ابن الهمام : وهذا هو الأصح فيكره إذا لم يكن حاجة ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة وهو ظاهر في رواية لأبي داود ما أحل الله تعالى شيئا أبغض إليع من الطلاق فإن الفعل لا عموم له في الأزمان ومن الحاجة الكبر وعدم اشتهائه جماعها بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه عليه وهي لا ترضى بترك ذلك وما روي عن الحسن وكان قيل له في كثرة تزوجه وطلاقه من قوله : أحب الفني قال الله سبحانه : وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته فهو رأي منه إن كان على ظاهره وكل ما نقل من طلاق الصحابة كطلاق المغيرةابن شعبة الزجات الأربع دفعة فقد قال لهن : أنتن حسنات الأخلاق ناعمات الأطواق طويلات الأعناق اذهبن فأنتن طلاق فمحمله وجود الجاجة وإن لم يصرح بها وقال ابن حجر : هو إما واجب كطلاق مول لم يرد الوطء وحكمين أياه أو مندوب كأن يعجز بحقوقها ولو لعدم الميل إليها أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها ومن ثم أمر صلى الله تعالى عليه وسلم من قال : إن زوجتي لا ترد يد لامس أي لا تمنع من يريد الفجور بها على أحد أقوال في معناه بإمساكها خشية من ذلك ويلحق بخشية الفجور بها حصول مشقة له بفراقها تؤدي إلى مبيح تيمم وكون مقامها عنده أمنع لفجورها فيما يظهر فيهما أو سيئة الخلق أي بحيث لا يصير على عشرتها عادة فيما يظهر وإلا فغير سيئة الخلق كالغراب والأعصم أو يأمره به أحد والديه أي من غير تعنت كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات ومع عدم خوف فتنة أو مشقة بطلاقها فيما يظهر أو حرام كالبدعى أو مكروه بأن سلم الحال عن ذلك كله للخبر الصحيح ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق ولدلالته على زيادة التنفير عنه قالوا : ليس فيه مباح لكن صوره الإمام بما إذا لم يشتهها أي شهوة كاملة ولا تسمحنفسه بمؤنتها من غير تمتع أه
والآية على ما لا يخفى على المنصف لا تدل على أكثر من حرمته في الحيض والمراد بالنساء فيها المدخول بهن من المعتدات بالحيض على ما في الكشاف وغيره لمكان قوله سبحانه : فطلقوهن لعدتهن