كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
واحصوا العدة واضبطوها وأكملوها ثلاثة قروء كوامل وأصل معنى الإحصاء العد بالحصى كما كان معتادا قديما ثم صار حقيقة فيما ذكر واتقوا الله ربكم في تطويل العدة عليهن والإضرار بهن وفي وصفه تعالى بربوبيته عز و جل لهم تأكيد للأمر ومبالغة في إيجاب الأتقاء لا تخرجوهن من بيوتهن من مساكنهن عند الطلاق وإلى أن تنقضي عدتهن وإضافتها إليهن وهي لأزواجهن لتأكيد النهي ببيان كمال استحقاقهن لسكنا كأنها أملاكهن وعدم العطف للإيذان باستقلاله بالطلب اعتناءا به والنهي عن الإخراج يتناول عدم إخراجهن غضبا عليهن أو كراهة لمساكنتهن أو لحاجة لهم إلى المساكن أو محض سفه بمنطوقه ويتناول عدمالأذن لهن في الخروج بإشارته لأن خروجهن محرم بقوله تعالى : ولا يخرجن أما إذا كانت لا ناهية كالتي قبلهافظاهر وأما إذا كانت نافية فلأن المراد به النهي وهو أبلغ من النهي الصريح كما لا يخفى والأذن في فعل المحرممحرم فكأنه قيل : لا تخرجوهن ولا تأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك ولا يخرجن بأنفسهن إن أردن فهناك دلالة على أن سكونهن في البيوت حق للشرع مؤكد فلا يسقط بالإذن وهذا على ما ذكره الجلبي مذهب الحنفية ومذهب الشافعية أنهما لو اتفقا على الأنتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما فالمعنى لا تخرجوهن ولا يخرجن باستبدادهن وتعقب الشهاب كون ذلك مذهب الحنفية بقوله : فيه نظر وقد ذكر الرازي في الأحكام ما يدل على خلافه وأن السكنى كالنفقة تسقط بالإسقاط انتهى
والذييظهر من كلامهم ما ذكره الجلبي وقد نص عليه الحصكفي في الدر المختار وعلله بأن ذلك حق الله تعالى فلا يسقط بالأذن وفي الفتح لو اختلعت على أن لا سكنى لها تبطل مؤنة السكنى عن الزوج ويلزمها أن تكتر في بيته وأما أن يحل لها الخروج فلا إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أي ظاهرة هي نفس الخروج قبل انقضاء العدة كما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عمر وروي عن السدي وابن السائب والنخعي وبه أخذ أبو حنيفة والأستثناء عليه راجع إلى لا يخرجن والمعنى لا يطلق لهن في الخروج إلا في الخروج الذي هو فاحشة ومن المعلوم أنه لا يطلق لهن فيه فيكون ذلك منعا عن الخروج على أبلغ وجه وقال الإمام ابن الهمام : هذا كما يقال في الخطابية : لا تزن إلا أن تكونفاسقا ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع رحم ونحو ذلك وهو بديع وبليغ جدا والزنا على ما روي عن قتادة والحسن والشعبي وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة وحماد والليث وهو قول ابن مسعود وقول ابن عباس وبه أخذ أبو يوسف والأستثناء عليه راجع إلى لا تخرجوهن على ما يقتضيه ظاهر كلام جمع أيلا تخرجوهن إلا إن زنين فأخرجوهن لأقامة الحد عليهن وقال بعض المحققين : هو راجع إلى الكل وما يوجبحدا من زنا أو سرقة أو غيرهما كما أخرجه عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب واختاره الطبري والبذاء على الأحماء أي أو على الزوج كما أخرجه جماعة من طرق عن ابن عباس والأستثناء راجع إلى ألأول أي لا تخرجوهن إلا إذا طالت ألسنتهن وتكلمن بالكلام الفاحش القبيح على أزواجهن أو أحمائهن وأيد بقراءة أبي إلا أن يفحشن عليكم بفتح الياء وضم الحاء وفي موضح الأهواري يفحشن من أفحش قال الجوهري : أفحش عليه في النطق أي أتى بالفحش وفي حرف ابن مسعود إلا أن يفحشن بدون عليكم والنشوز والمراد إلا أن