كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
يجعل له مخرجا إلى الحلال وقيل : مخرجا من الشدة إلى الرخاء وقيل : من النار إلى الجنة وقيل : مخرجا من العقوبة ويرزقه من حيث لا يحتسب من الثواب وقال الكلبي : ومن يتق الله عند المصيبة يجعل له مخرجا إلى الجنة والكل كما ترى والمعول عليه العموم الذي سمعته وفي الكشف إن تنويع الوعد للمتقي وتكرير الحث عليه بعد الدلالة على أن للتقوى ملاك الأمر عدن الله تعالى ناط به سبحانه سعادة الدارين يدل على أن أمر الطلاق والعدة من الأمور التي تحتاج إلى فضل تقوى لأنه أبغض المباح إلى الله عز و جل لما يتضمن من الإيحاش وقطع الألفة الممهدة ثم الإحتياط في أمر النسب الذي هو من جلة المقاصد يؤذن بالتشديد في أمر العدة فلا بد من التقوى ليقع الطلاق على وجه يحمد عليه ويحتط في العدة ما يجب فهنالك يحصل للزوجين المخرج في الدنيا والآخرة وعليه فالزوجة داخلة في العموم كالزوج ومن يتوكل على الله فهو حسبه أيكافيه عز و جل في جميع أموره
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال : يقول الرب تبارك وتعالى : إذا توكل علي عبدي لو كادته السماوات والأرض جعلت له من بين ذلك المخرج إن الله بالغ أمره بإضافة الوصل إلى مفعولهوالأصل بالغ أمره بالنصب كما قرأ به الأكثرون أي ببلغ ما يريده عز و جل ولا يفوته مراد
وقرأ ابن أبي عبلة في رواية وداود بن أبي هند وعصمة عن أبي عمرو بالغ بالرفع منونا أمره بالفع على أنه فاعل بالغ الخبر لأن أو مبتدأ و بالغ خبر مقدم له والجملة خبر إن أي نافذ أمره عز و جل وقرأ المفضل في رواية أيضا بالغا بالنصب أمره بالفع وخرج ذلك على أن بالغا حال من فاعل جعل في قوله تعالى : قد جعل الله لكل شيء قدرا
3
- لا من المبتدأ لأنهم لا يرتضون مجيء الحال منه وجملة قد جعل الخ إن وجوز أن يكون بالغا هو الخبر على لغة منينصب الجزأين بإن كما في قوله : إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتسكن خطاك خفافا إن حراسنا أسدا وتعقب بأنها لغة ضعيفة ومعنى قدرا تقديرا والمراد تقديره قبل وجوده أو مقدارا من الزمان وهذا بيان لوجوب التوكل عليه تعالى وتفويض الأمر ليه عز و جل لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق وغيره لا يكون إلا بتقديره تعالى لا يبقى إلا التسليم للقدر وفيه على ما قيل : تقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق والأمر بإحصاء العدة وتمهيد لما سيأتي إن شاء الله تعالى من مقاديرها
وقرأ جناح بن حبيش قدرا بفتح الدال والتي يئسن من المحيض أي الحيض وقريء ييأسن مضارعا من نسائكم لكبرهن وقد قدر بعضهم سن اليأس بستين سنة وبعضهم بخمس وخمسين وقيل : هو غالب سن يأس عشيرة المرأة وقيل غالب سن يأس النساء في مكانها التي هي فيه فإن المكان إذا كان طيب الهواء والماء كبعض الصحاري يبطيء فيه سن اليأس وقيل : أقصى عادة امرأة في العالم وهذا القول بالغ درجة اليأس من أن يقبل إن ارتبتم أي شككتم وترددتم في عدتهن أو إن جهلتم عدتهن فعدتهن ثلاثة أشهر أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه وجماعة عن أبي بن كعب