كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
أن المطالب الفكرية للمتناجين مثلا لا تتم بدون ثلاثة أشياء : الموضوع والمحول والحد الأوسط بل القضية التي يتناجى لها لا بد فيها من ثلاثة أجزاء والخمسة لأنها عدد دائر لا تنعدم بالضرب في نفسها وكذا بضربالحاصل في نفسه إلى ما لا يتناهى فلها شبهة بالثلاثة من حيث أنها دائرة مع مراتب الضرب لا تنعدم أصلا كما أن الثلاثة دائرة مع اعتبارات الممكن لا تنعدم أصلا ومع ذلك هي عدد المشاعر التي يحتاج إليها في التناجي وكذا عدد الحواس الظاهرة ويدخل ما عداهما في عموم قوله تعالى : ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هومعهم ولا يدخل في العموم الواحد لأن التناجي للمشاورة لا بد فيه من اثنين فأكثر ومن أدخله لم يعتبر التناجي لها ولا يضر دخول الأشفاع فيه لأن أليقية كون المتناجين وترا إنما كانت نكتة للتصريح بالعددين السابقين ولا تأبى تحقق النجوى في الأشفاع كما لا يخفى
وادعى ابن سراقة أن النجوى مختصة بما كان بين أكثر من اثنين وأن ما يكون بين اثنين يسمى سرارا وقال ابن عيسى : كلسرار نجوى وفي الآية لطائف وأسرار لا يعقلها إلا العالمون فليتأمل
وقرأ ابن أبي عبلة ثلاثة و خمسة بالنصب على أن الحال بإضمار يتناجون يدل عليه نجوى أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبهما من المستكن فيه وفي مصحف عبد الله إلا الله رابعهم ولا أربعة إلا الله خامسهمولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك إلا الله معهم إذا انتجوا وقرأالحسن وابن أبيإسحاق والأعمش وأبو حيوة وسلام ويعقوب ولا أكثر بالرفع قال الزمخشري : على أنه معطوف على محل لا أدنى كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله بفتح الحول ورفع القوة ويجوز أن يعتبر أدنى مرفوعا علىهذه القراءة ورفعهما على الأبتداء والجملة التي بعد إلا هي الخبر أو على العطف على محل مننجوى كأنه قيل : ما يكونأدن ولا أكثر إلا هو معهم و أكثر على قراءة الجمهور يحتمل أن يكون مجرورا بالفتح معطوفا على لفظ نجوى كأنه قيل : ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم وأن يكون مفتوحا لأن لا لنفي الجنس وقرأ كل من الحسن ويعقوب أيضا ومجاهد والخليل بن أحمد ولا أكبر بالباء الموحدة والرفع وهو على ما سمعت ثم ينبئهم بما عملوايومالقيامة تفضيحا لهم وإظهارا لما يوجب عذابهم
وقريء ينبئهم بالتخفيف والهمز وقرأ زيد بن علي بالتخفيف وترك الهمز وكسر الهاء
إن الله بكل شيء عليم
7
- لأن نسبة ذاته المقتضى للعلم إلى الكل على السواء وقد بدأ الله تعالى في هذهالآيات بالعلم حيث قال سبحانه : ألم تر أن الله يعلم الخ وختم جل وعلا بالعلم أيضا حيث قال الله تعالى : إن الله الخ ومن هنا قال معظم السلف فيما ذكر في البين من قوله عز و جل : رابعهم و سادسهم و معهم أن المراد به كونه تعالىكذب بحسب العلم مع أنهم الذين لا يؤولون وكأنهم لم يعدوا ذلك تأويلا لغاية ظهوره واحتفاظه بما يدل عليه دلالة لأخفاء فيها ويعلم من هذا أن ما شاع من أن السلف لا يؤولونليس على إطلاقه ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : نزلت فياليهود والمنافقين كانوا يتناجون دون المؤمنين وينظرون إليهم يتغامزون بأعينهم عليهم يوهمونهم عن أقاربهم أنهم أصابهم شر فلا يزالون كذلك حتى تقدم أقاربهم فلما كثر ذلك منهمشكا المؤمنون إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فنهاهم أن يتناجوا دون المؤمنين فعادوا لمثل فعلهم وقال مجاهد : نزلت في اليهود