كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
جزاءا للأمتثال والذين أوتوا العلم الشرعي درجات أي كثيرة جليلة كما يشعر به المقام وعطف الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا منعطف الخاص على العام تعظيما لهم بعدهم كأنهم جنس آخر ولذا أعيد الموصول في النظم الكريم وقد أخرج الترمذي وأبو داود والدارمي عن أبي الدرداء مرفوعا فضل العالم العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب
وأخرج الدارمي عن عمر بن كثير عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الأسلام فبينه وبين النبيين درجة وعنه صلى الله تعالى عليه وسلم بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة وعنه عليه الصلاة و السلام يشفع يومالقيامة ثلاثة : الأنبياء ثن العلماء ثم الشهداء فأعظم بمرتبة بمرتبة بين النبوة والشهادة بشهادة الصادق المصدوق صلى الله تعالى عليه وسلم وعن ابن عباس خير سليمان عليه السلام بين العلم والملك والمالفاختار العلم فأعطاه الله تعالى الملك والمال تبعا له
وعن الأحنف كاد العلماء يكونون أربابا وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل ما يصير وعن بعض الحكماء : ليست شعري أي شيء أدرك منفاتهالعلم وأي شيء فاته من أدرك العلم والدالعلى فضل العلم والعلماء أكثر من أن يحصى وأرجى حديث عندي في فضلهم ما رواه الأمام أبو حنيفة في مسنده عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : يجمع الله تعالى يوم القيامة فيقول : إني لم أجعل حكمتي في قلوبكم إلا وأنا أريد بكم الخير اذهبوا إلى الجنة فقد غفرت لكم على ما كان منكم
وذكر العارف الياس الكوراني أنه أحد الأحاديث المسلسلة بالأولية ودلالة الآية على فضلهم ظاهرة بل أخرج ابن المنذر عن ابنمسعود أنه قال : ما خص الله تعالى العلماء في شيء من القرآن ما خصهم في هذه الآية فضل الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم بدرجات وجعل بعضهم العطفعليه للتغاير بالذات بحمل الذين آمنوا على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم وفي رواية أخرى عنه يا أيها الذين آمنوا افهموا معنى هذه الآية ولترغبكم في العلم فإن الله تعالىيرفع المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم
وادعى بعضهم أن في كلامه رضي الله تعالى عنه إشارة إلى أن الذين أوتوا معمول لفعل محذوف والعطفمنعطف الجمل أي ويرفع الله الذين أوتوا العلم خاصة درجات ونحوه كلام ابن عباس فقد أخرج عنه ابن المنذر والبيهقي في المدخل والحاكم وصححه أنهقال في الآية : يرفع الذين أوتوا العلم منالمؤمنين على الذين لم يؤتواالعلم درجات
وقال بعض المحققين : لا حاجة إلى تقدير العامل والمعنى على ذلك منغير تقدير واختار الطيبي التقدير وجعل الدرجات معمولا لذلك المقدر وقال : يضمر المذكور أحط منهمما يناسب المقام نحو أن يقال : يرفعالله الذين آمنوافي الدنيا بالنصر وحسن الذكر أو يرفعهم في الآخرة بالإيواء إلى ما لا يليق بهم من غرف الجنات ويرفع الذين أوتوا العلم درجات تعظيما لهم وجوز كون المراد الموصولين واحدا والعطف لتنزيل تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذات فالمعنى يرفع الله المؤمنين العالمين درجات وكون العطف منعطف الخاص على العام هو الأظهر وفي الأنتصاف في الجزاء يرفع الدرجات مناسبة للعمل المأمور به وهو التفسح في المجالس وترك ما تنافسوا فيه منالجلوس في أرفعها وأقربها من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلما كان الممتثل لذلك