كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
يخفض نفسه عما يتنافس فيه من الرفعة امتثالا وتواضعا جوزي برفع الدرجات كقوله : من تواضع لله تعالى رفعه الله تعالى ثم لما علم سبحانه أن أهل العلم بحيث يستوجبون عند أنفسهم وعند الناس ارتفاع مجالسهم خصهم بالذكر عند الجزاء ليسهل عليهم ترك ما لهم من الرفعة في المجلس تواضعا لله عز و جل
وقيل : إنه تعالى خص أهل العلم ليسهل عليهم ترك ما عرفوا بالحرص منرفعة المجالس وحبهم للتصدير وهذا منمغيبات القرآن لما ظهر من هؤلاء في سائر الأعصار من التنافس في ذلك
والخفاجي أدرج هذا في نقل كلام صاحب الأنتصاف وكلامه على ما سمعته أوفق بالأدب مع أهل العلم ولا أظن بالذين أوتوا العلم المذكورين في الآية أنهم كالعلماء الذين عرض بهم الخفاجي نعم إنه عليه الرحمة صادق فيما قال بالنسبة إلى كثير ن علماء آخر الزمان كعلماء زمانه وكعلماء زماننا لكن كثير من هؤلاء إطلاق اسم العالم على أحدهم مجاز لا تعرف علاقته ومع ذلك قد امتلأ قلبه منحب الصدر وجعل يزاحم العلماء حقيقة عليه ولم يدر أن محله لو أنصف العجز هذا واستدل غير واحد بالآية على تقديم العالم ولو باهليا شابا على الجاهل ولو هاشميا شيخا وهو بناء على ما تقدم منمعناها لدلالتها على فضل العالم على غيره منالمؤمنين وأن الله تعالى يرفعه يوم القيامة عليه ويجعل منزلته فوق منزلته فينبغي أن يكون محله في مجالس الدنيا فوق محل الجاهل
وقالالجلال السيوطي في كتاب الأحكام قال قوم : معنى الآية يرفع الله تعالى المؤمنين العلماء منكمدرجات على غيرهم فلذلك أمر بالتفسح من أجلهم ففيه دليل على رفع العلماء المجالس والتفسح لهم عن المجالس الرفيعة انتهى
وهذا المعنى الذي نقله ظاهر في أن معنى المتعاطفين متحدان بالذات والعطف لجعل تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذات وهو احتمالبعيد ويظهر منهأيضا أنه ظن رفع يرفع على أن الجملة استئناف وقع جوابا عن السؤالعن علة الأمر السابق مع أن الأمر ليس كذلك ويحتمل أنه علم أنهمجزوم في جواب الأمر لكن لم يعتبر كون الرفع درجات جزاءه المتثال على نحو كون الفسح قبله جزاءه فتأمله والله بما تعملون خبير
11
- تهديد لمن لم يمتثل بالأمر واستكره وقريء بما يعملون بالياء التحتانية يأيها الذين آمنواغذا ناجيتم الرسول أي إذا أردتم المناجاة معه عليه الصلاة و السلام لأمر ما من الأمور فقدموا بين يدي نجواكم صدقة أي فتصدقوا قبلها وفي الكلام استعارة تمثيلية وأصل التركيب يستعمل فيمن له يدان أو مكنية بتشبيه النجوى بالأنسان وإثبات اليدين تخييل وفي بين ترشيح على ما قيل ومعناه قبل وفي هذا الأمر تعظيم الرسول صلى الله عليه و سلم ونفع للفقراء وتمييز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا ودفع للتكاثر عليه صلى الله تعالى عليه وسلم من غير حاجة مهمة فقد روي عن ابن عباس وقتادة أن قوما من المسلمين كثرت مناجاتهم للرسول عليه الصلاة و السلام في غير حاجة إلا لتظهر منزلتهم وكان صلى الله عليه و سلم سمحا لا يرد أحدا فنزلت هذه الآية
وعن مقاتل أن الأغنياء كانوا يأتون النبي صلى الله عليه و سلم فيكفرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره عليه الصلاة و السلام طول جلوسهم ومناجاتهم فنزلت واختلف في الأمر للندب أو للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالى : أأشفقتم الخ وهو وإن كان متصلا به تلاوة لكنه غير متصل به نزولا وقيل : نسخ بآية