كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال له : فعلت فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت والله تعالى أعلم بصحته
وعبد الله هذا هو الرجل المبهم في الخبر الأول وهو ابن نبتل بفتح النون وسكون الياء الموحدة وبعدها تاء مثناة من فوق ولام ابن الحرث بن قيس الأنصاري الوسي ذكره ابن الكلبي والبلا ذري في المنافقين وذكره أبو عبيدة في الصحابة فيحتمل كما قال ابن حجر : إنه أطلع على أنهتاب وأما قوله في القاموس : عبد الله ابن نبيل كأمير منالمنافقين فيحتمل أنه هو هذا واختلف في ضبط اسم أبيه ويحتمل أنه غيره أعد الله لهم بسبب ذلك عذابا شديدا نوعا من العذاب متفاقما إنهم سآء ما كانوا يعملون
15
- ما اعتادوا عمله وتمرنوا عليه اتخذوا أيمانهم الفاجرة التي يحلفون بها عند الحاجة جنة وقاية وسترة عنالمؤاخذة وقرأ الحسن إيمانهم بكسر الهمزة أي إيمانهم الذي أظهروه للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وخلص المؤمنين قال في الأرشاد : والأتخاذ على هذا عبارة عن التستر بالفعل كأنه قيل : تستروا بما أظهروه منالإيمان عن أن تستباح دماؤهم وأموالهم وعلى قراءة الجمهور عبارة عن إعدادهم لأيمانهم الكاذبة وتهيئتهم لهاإلى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويخلصوا عن المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية وعن سببها أيضا كما يعرب عنه الفاء في قوله تعالى : فصدوا أي الناس
عن سبيل الله في خلال أمنهم بتثبيط من لقوا عن الدخول في الأسلام وتضعيف أمر المسلمين عندهم وقيل : فصدوا المسلمين عن قتلهم فإنه سبيل الله تعالى فيهم : صدوا لازم والمراد فأعرضوا عنالأسلام حقيقة وهو كما ترى فلهم عذاب مهين
16
- وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل : الأول عذابالقبر وهذا عذاب الآخرة ويشعر به وصفه بالأهانة المقتضية للظهور فى تكرار
لن تغني عنهم أموالهم ولآ أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار همفيها خالدون
17
- قد سبق مثله في سورة آل عمران وسبق الكلام فيه فمنأراده فليرجع إليه يوم يبعثهم الله جميعا تقدم الكلام في نظيره غير بعيد فيحلفون له أي لله تعالى يومئذ قائلين : والله ربنا ما كنا مشركين كما يحلفون لكم في الدنيا أنهم مسلمون مثلكم والتشبيه بمجرد الحلف لهم في الدنيا وإن اختلف المحلوف عليه بناءا على ما قدمنا من سبب النزول ويحسبون في الآخرة أنهم بتلك الأيمان الفاجرة على شيء من جلب منفعة أو دفع مضرة كما كانوا عليه في الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أرواحهم وأموالهم ويستجرون بها فوائد دنيوية ألا إنهم هم المكذبون
18
- البالغون في الكذب إلى غاية ليس وراءها غاية حيث تجاسرواعلى الكذب بين يدي علام الغيوب وزعموا أن أيمانهم الفاجرة تروج الكذب لديه عز و جل كما تروجه عند المؤمنين استحوذ عليهم الشيطان أي غلب على عقولهم بوسوسته وتزيينه حتى اتبعوه فكان مستوليا عليهم وقال الراغب : الحوذ أن يتبع السائق حاذي البعير أي أدبار فخذيه فيعنف في سوقه يقال : حاذ الإبل يحوذها أي ساقها

الصفحة 33