كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
سوقا عنيفا وقوله تعالى : استحوذ عليهم الشيطان أي استاقهم مستوليا عليهم أو من قولهم : استحوذ العير على الأتان أي استولى على حاذيها أي جانبي ظهرها أه
وصرح بعض الأجلة أن الحوذ في الأصل السوق والجمع وفي القاموس تقييد السوق بالسريع ثم أطلق على الأستيلاء ومثله الأحواذ والأحوذي وهو كما قال الأصمعي : المشمر في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عنه منها شيء ومنه قول عائشة في عمر رضي الله تعالى عنهما كان أحوذيا نسيج وحده مأخوذ من ذلك واستحوذ مما على الأصل في عدم إعلاله على القياس إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفا كما سمع فيه قليلا وقرأ به هنا أبو عمرو فجاء مخالفا للقياس كاستنوق واستصوب وإن وافق الأستعمال المشهور فيه ولذا لم يحل استعماله بالفصاحة وفي استفعل هنا من المبالغة ما ليس في فعل فأنساهم ذكر الله في معنى لم يمكنهم من ذكره عز و جل بما زين لهم من الشهوات فهم لا يذكرونه أصلا لا بقلوبهم ولا بألسنتهم أولئك الموصوفون بما ذكر منالقبائح حزب الشيطان أي جنوده وأتباعه
ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
19
- أي الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم وفي تصدير الجملة بحرفي التنبيه والتحقيق وإظهار المتضايفين معا في موقع الإضمار بأحد الوجهين وتوسيط ضمير الفصل من فنون التأكيد ما لا يخفى
إن الذين يحآدون الله ورسوله استئناف مسوق لتعليل ما قبله من خسران الشيطان عبر عنهمبالموصول ذما لهم بما في حيز الصلة وإشعارا بعلة الحكم أولئك الموصوف بما ذكر في الأذلين
20
- أي في جملة من هو أذل خلق الله عز و جل من الأولين والآخرين معدودون في عدادهم لأن ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله عز و جل غير متناهية كانت ذلة من حاده كذلك كتب الله استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين أي أثبت في اللوح المحفوظ أو قضى وحكم وعن قتادة قال : وأيا ما كان فهو جار مجرى القسم فلذا قال سبحانه : لأغلبن أنا ورسلي أي بالحجة والسيف وما يجري مجراه أو بأحدهما ويكفي في الغلبة بما عدا الحجة تحققها للرسل عليهم السلام في أزمنتهم غالبا فقد أهلك سبحانه الكثير من أعدائهم بأنواع العذاب كقوم نوح وقول صالح وقوم لوط وغيرهم والحرب بين نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وبين المشركين وإن كان سجالا إلا أن العاقبة كانت له عليه الصلاة و السلام وكذا لأتباعهم يعدهم لكن إذا كان جهادهم لأعداء الدين على نحو جهاد الرسل لهم بأن يكون خالصا لله عز و جل لا لطلب ملك وسلطنةوأغراض دنيوية فلا تكاد تجد مجاهدا كذلك إلا منصورا غالبا وخص بعضهم الغلبة بالحجة لأطرادهاوهو خلاف الظاهر ويبعده سبب النزول فعن مقاتل لما فتح الله تعالى مكة للمؤمنين والطائف وخيبر وما حولها قالوا : نرجوا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال عبد الله بن أبي : أتظنونالروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها والله أنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أنتظنوا فيهم ذلك فنزلت كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي على نصر رسله عزيز
21
- لا يغلب على مرادهعز و جل