كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

واليوم الآخر الذي يحشر المرء فيه مع من أحب أن يهجروا الجميع بالمرة وليس المراد بمنذكر خصوصهم وإنما المراد الأقارب مطلقا وقدم الآباء لأنه يجب على أبنائهم طاعتهم ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف وثني بالأبناءلأنهم أعلق بهم لكونهم أكبادهم وثلث بالأخوان لأنهم الناصرون لهم : أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجاء بغير سلاح وختم بالعشيرة لأن الأعتماد عليهم والتناصر بهم بعد الأخوان غالبا : لو كنت منمازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا إذا لقام بنصري معشر خشن عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا وقرأ أبو حيان رجاء وعشائرهم بالجمع أولئك إشارة إلى الذين لا يوادونهم وإن كانوا أقرب الناس إليهم وأمسهم رحما بهم وما فيه من معنى البعد لرفعة درجتهم في الفضل وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : كتب في قلوبهم الإيمان أي أثبته الله تعالى فيها ولما كان الشيء يراد أولا ثم يقال ثم يكتب عبر عن المبدأ بالمنتهى للتأكيد والمبالغة وفيه دليل على خروج العمل من مفهوم الإيمان فإن جزء الثابت في القلب ثابت فيه قطعا ولا شيء من أعمال الجوارح يثبت فيه
وقرأ أبو حيوة والمفضل عن عاصم كتب مبنيا للمفعول الإيمان بالرفع على النيابة عن الفاعل
وأيدهم أي قواهم بروح منه أي من عنده عز و جل على أن من ابتدائية والمراد بالروح نور القلب وهو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء من عباده تحصل به الطمأنينة والعروج على معارج التحقيق وتسميته روحا مجاز مرسل لأنه سبب للحياة الطيبة الأبدية وجوز كونه استعارة وقول بعض الأجلة : إن نور القلب ما سماه الأطباء روحا وهو الشعاع اللطيف المتكون في القلب وبه الأدراك فالروح على حقيقته ليس بشيء كما لا يخفى أو المراد به القرآن على الأحتمالين السابقين واختيرت الأستعارة أو جبريل عليه السلام وذلك يوم بدر وإطلاق الروح على شائع أقوال
وقيل : ضمير منه للإيمان والمراد بالروح الإيمان أيضا والكلام على التجريد البديعي فمن بيانية أو ابتدائية على الخلاف فيها وإطلاق الروح على الإيمان على ما مر وقوله تعالى : ويدخلهم الخ بيان لآثار رحمته تعالى الأخروية إثر بيان ألطافه سبحانه الدنيوية أي ويدخلهم في الآخرة
جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبد الآبدين وقوله تعالى : رضي الله عنهم استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض سبحانه عليهم من آثار رحمته عز و جل العاجلة والآجلة وقوله تعالى ورضوا عنه بيان لابتهاجهم بما أوتوه عاجلا وقوله تعالى : أولئك حزب الله تشريف لهم ببيان اختصاصهم به تعالى وقوله سبحانه : ألا إن حزب الله هم المفلحون
22
- بيان لاختصاصهم بسعادة الدارين والكلام في تحلية الجملة بإلا وإن على ما مر في أمثالها والآية قيل : نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فصكه

الصفحة 36