كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

قتل رئيسهم كعب بن الأشرف فإنه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة وقيل : ضمير أتاهم و لم يحتسبوا للمؤمنين أي فأتاهمنصر الله من حيث لم يحتسبوا وفيه تفكيك الضمائر
وقريءفآتاهم الله وهو حينئذ متعد لمفعولين ثانيهما محذوف أي فآتاهم الله العذاب أو النصر وقذف في قلوبهم الرعب أيالخوف الشديد من رعبت الحوض إذا ملأته لأنهيتصور فيه أنه ملأ القلب وأصلالقذف الرمي بقوة أو من بعيد والمراد به هنا للعرف إثبات ذلك وركوزه في قلوبهم
يخربون بيوتهم بأيديهم ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة ولئلا تبقى صالحة لسكنى المسلمين بعد جلائهم ولينقلوا بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل كالخشب والعمد والأبواب وأيديالمؤمنين حيث كانوا يخربونها من خارج ليدخلوها عليهم وليزيلوا تحصنهم بها وليتسع مجال القتال ولتزداد نكايتهم ولماكان تخريب أيدي المؤمنين بسبب أولئك اليهود كان التخريب بأيدي المؤمنين كأنه صادر عنهم وبهذا الأعتبار عطفت أيدي المؤمنين على أيديهم وجعلت آلة لتخريبهم مع أنالآلة هي أيديهم أنفسهم فيخربون على هذا إما منالجمع بين الحقيقة والمجاز أو منعموم المجاز والجملة إما فيمحل نصب على الحالية منضمير قلوبهم أو لا محل لها من الأعراب وهي إما مستأنفة جواب عنسؤالتقديره فماحالهمبعد الرعب أو معه أو تفسير للرعب بادعاء الأتحاد لأن ما فعلوه يدل على رعبهم إذ لولاه ما خربوها
وقرأ قتادة والجحدري ومجاهد وأبو حيوة وعيسى وأبو عمرو يخربون بالتشديد وهو للتكثير في الفعلأو في المفعول وجوز أن يكون في الفاعل وقال أبو عمرو بن العلاء : خرب بمعنى هدم وأفسد وأخرب تركالموضع خرابا وذهب عنه فالإخراب يكون أثر التخريب وقيل : هما بمعنى عدي خرب اللازم بالتضعيف تارة وبالهمزة أخرى فاعتبروا يأولي الأبصار
2
- فاتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا تكاد تهتدي إليه الأفكار واتقوا مباشرة ما اداهمإليه من الكفر والمعاصي واعتبروا من حالهم في غدرهمواعتمادهم على غير الله تعالى الصائرة سببا لتخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم ومفارقة أوطانهممكرهين إلى حالأنفسكم فلا تعولوا علىتعاضد الأسباب وتعتمدوا على غيره عز و جل بل توكلوا عليه سبحانه
واشتهر الأستدلال بالآية على مشروعية العمل بالقياس الشرعي وقالوا : إنه تعالى أمر فيها بالأعتبار وهوالعبور والأنتقال من الشيء إلى غيره وذلك متحقق فيالقياس إذافيه نقل الحكممن الأصل إلى الفرع ولذا قالابن عباس في الأسنان : اعتبر حكمها بالأصابع في أن ديتها متساوية والأصل في الأطلاق الحقيقةوإذ ثبتالأمر وهو ظاهر في الطلب الغير الخارج عن اقتضاء الوجوب أو الندب ثبتت مشروعيةالعملبالقياس واعترض بعد تسليم ظهورالأمر في الطلب بأنا لا نسلم أن الأعتبار ما ذكر بل هو عبارة عن الأتعاظ لأنهالمتبادر حيث أطلق ويقتضيه في الآية ترتيبه بالفاء على ما قبله كما في قوله تعالى : إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار وإن لكم في الأنعام لعبرة ولأن القائس في الفرع إذا قدم على المعاصي ولم يتفكر في أمر آخرتهيقال : إنهغير معتبر ولو كان القياس هو الأعتبار لم يصح هذا السلب سلمنا لكن ليس في الآية صيغة عموم تقتضي العمل بكل قياس بل هي مطلقة فيكفي فيالعمل بها العمل بالقياس العقلي سلمنا لكن العام مخصص بالأتفاق إذ قلتم : إنهإذا قال لوكيله : أعتق غانما لسواده لا يجوز تعديه ذلك إلى سالم وإن كان أسود

الصفحة 41