كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
وهو بعد التخصيص لا يبقى حجة فيما عدا محل التخصيص سلمنا غير أنالخطاب مع الموجودين وقته فيختص بهم وأجيب بأنه لو كان الأعتبار بمعنى الأتعاظ حيث أطلق لما حسن قولهم : اعتبر فاتعظ لما يلزم فيه حينئذ من ترتب الشيء على نفسه وترتيبه في الآية على ما قبله لا يمنع كونه بمعنى الأنتقال المذكور لأنه متحقق في الأتعاظ إذ المتعظ بغيره منتقل من العلم بحال ذلك الغير إلى العلم بحال نفسه فكان مأمورا به من جهة ما فيه من الأنتقال وهو القياس والآيتان على ذلك ولا يصح غير معتبر في القائس العاصي نظرا إلى كونه قائسا وإنما صح ذلك نظرا إلى أمر الآخرة وأطلق النفي إلى أنه أعظم المقاصد وقد أخل به والآية إن دلت على العمومفذاك وإن دلت على الإطلاق وجب الحمل على القياس الشرعي لأن الغالب من الشارع مخاطبتنا بالأمور الشرعية دون غيرها وقد برهن على أنالعام التخصيص حجة وشمول حكم خطاب الموجودين لغيرهم إلى يومالقيامة قد انعقد الإجماع عليه ولا يضر الخلاف فيشمول اللفظ وعدمه على أنهإن عم أو لم يعم هو على الخصوم في بعض محل النزاع ويلزم من ذلك الحكمفي الباقي ضرورة أنه لا يقول بالفرق
هذا وقال الخفاجي في وجه الأستدلال : قالوا : إنا أمرنا في هذه الآية بالأعتبار وهو رد الشيء إلى نظيره بأن يحكم عليه بحكمه وهذا يشمل الأتعاظ العقلي والشرعي وسوق الآية للأتعاظ فتدلعليه عبارة وعلى القياس إشارة وتمامك الكلام على ذلك في الكتب الأصولية ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء أي الإخراج أو الخروج عن أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع لعذبهمفي الدنيا بالقتل كأهل بدر وغيرهم أو كما فعل سبحانه ببني قريظة في سنة خمس إذ الحكمة تقتضيه لو لم يكتب الجلاء عليهم وجاء أجليت القوم عن منازلهم أي أخرجتهم عنها وأبرزتهم وجلوا عنها خرجوا وبرزوا ويقال أيضا : جلاهم وفرق بعضهم بين الجلاء والإخراج بأنالجلاء ما كان مع الأهل والولد والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد
وقال الماوردي : الجلاء لا يكون إلا لجماعة والإخراج قد يكون لواحد ولجماعة ويقال فيه : الجلأ مهموزا من غير ألف كالنبأ وبذلك قرأ الحسن بن صالح وأخوه علي بن صالح وطلحة وأنمصدرية لا مخففة واسمها ضمير شأنكما توهمه عبارة الكشاف وقد صرح بذلك الرضي وقوله تعالى : ولهم في الآخرة عذاب النار
3
- استئناف غير متعلق بجواب لو لا أي أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا وهو القتل لأمر أشق عليهم وهوالجلاء لم ينجوا من عذاب الآخرة فليس تمتعهم أياما قلائل بالحياة وتهوينأمر الجلاء على أنفسهم بنافع وفيه إشارة إلى أنالقتل أشد من الجلاء لا لذاته بل لأنهم يصلون عندهإلى عذاب النار إنما أوثر الجلاء لأنهأشق عندهموأنهم غير معتقدين لما أمامهممن عذاب النار أو معتقدون ولكن لا يبالون به بالة ولم تجعل حالية لا حتياجها للتأويل لعدم المقارنة
ذلك أي ما نزل بهم وما سينزل بأنهم بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله وفعلوا مافعلوا من القبائح ومنيشاق الله وقرأ طلحة يشاقق بالفك كما في الأنفال والأقتصار على ذكر مشاقته عز و جل لتضمنها مشاقته عليه الصلاة و السلام وفيه من تهويل أمرها ما فيه وليوافق قولهتعالى : فإن الله شديد العقاب
4