كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

على صاحبه غير الغارس له وقد سمعت بعض الغارسين يقول : السعفة عندي كأصبع من أصابع يدي وتحقق الحسرة على الذهاب إن كانتالمقطوعة النخلة الكريمة أظهر وكذا تحققها على البقاء في أيدي أعدائهم المسلمينإن كانتهي المتروكة والذي تدل عليه بعض الآثار أن الصحابة كان يقطع الكريمة وبعضهم يقطع غيرها وأقرهما النبي صلى الله عليه و سلم لما أفصح الأول بأن غرضه إغاظة الكفار والثاني بأنه اسبقاء الكريمة للمسلمين وكان ذلك أولنزول المسلمين على أولئك الكفرة ومحاصرتهم لهم فقد روي أنه عليه الصلاة و السلام أمر في صدر الحرب بقطع نخيلهم فقالوا : يا محمد كنتتنهى عن الفساد في الأرض فما بالقطع النخل وتحريقها ! فنزلت الآية وماقطعتم من لينة الخ ولم يتعرض فيها للتحريق لأنه في معنى القطع فاكتفى به عنه وأما التعرض للترك مع أنه بفساد عندهم أيضا فلتقرير عدم كون القطع فسادا في سلك ما ليسبفساد إيذانا بتساويهما في ذلك
واستدلبالآية على جواز هدم ديار الكفرة وقطع أشجارهم وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم وحاصل ما ذكره الفقهاء في المسألة أنهإن علم بقاء ذلك في أيدي الكفرة فالتخريب والتحريق أولى وإلا فالإبقاء أولى ما لم يتضمن ذلك مصلحة وقوله تعالى : ومآ أفآء اللهعلى رسوله منهم شروع في بيان حال ما أخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع أي ما أعاده الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه و سلم من أولئك الكفرة وهم بنو النضير و ما موصولة مبتدأ والجملة بعدها صلة والعائد محذوف كما أشرنا إليه والجملة المقترنة بالفاء بعد خبر ويجوز كونها شرطية والجملة بعد جواب والمراد بما أفاء سبحانه عليه صلى الله تعالى عليه وسلم منهمأموالهم التيبقيت بعد جلائهم والمراد بإعادتها عليه عليه الصلاة و السلام تحويلها إليه وهو إن لم يقتض سبق حصولها له صلى الله عليه و سلم نظير ما قيل في قوله تعالى : أولتعودن في ملتنا ظاهر وإن اقتضى سبق الحصولفيما ذكر مجازا وفيه إشعار بأنهاكانت حرية بأن تكونله صلى الله عليه و سلم وإنما وقعت في أيديهم بغير حق فأرجعها الله تعالى إلى مستحقها وكذاشأن جميع أموال الكفرة التي تكونفيئا للمؤمنين لأنالله عز و جل خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق من الأموالليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكونللمطيعين ولذا قيل للغنيمة التي لا تلحق فيها مشقة : فيء مع أنه منفاء الظل غذا رجع ونقل الراغب عن بعضهم أنه سمي بذلك تشبيها بالفيء الذي هو الظل تنبيها على أن أشرف أغراض ادلنيا يجري مجرى ظل زائل و أفاء على ما في البحر بمعنى المضارع أما غذاكانت ما شرطية فظاهر وأما إذاكانتموصولة فلأنها إذا كانتالفاء في خبرها تكونمشبهة باسم الشرط فإن كانتالآية نازلة قبل جلائهم كانتمخبرة بغيب وإن كانتنزلت بعد جلائهم وحصول أموالهم في يد الرسول صكانت بيانا لمايستقبل وحكم الماضي حكمه والذي يدل عليه الأخبار أنها نزلت بعد روي أن بني النضير لما أجلوا عن أوطانهم وتركوارباعهم وأموالهم طلب المسلمونتخميسها كغنائم بدرفنزل ما أفاء اللهعلى رسوله منهم فمآأوجفتم عليه الخ فكانتلرسول الله صلى الله عليه و سلم خاصة فقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عنعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله تعالى على رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم مما لم يوجف المسلمونعليه بخيل ولا ركاب وكانتلرسول اللهص خاصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله تعالى

الصفحة 44