كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
الفيء لا الغنيمة ولا الأعم وفرقوابينهما قالوا : الفيء ما حصل من الكفار بلا قتال وإيجاف خيل وركاب كجزية وعشر تجارة وماصولحوا من غير نحو قتال وما جلواعنه خوفا قبل تقابل الجيشين أما بعده فغنيمة وما لمرتد قتل أو مات على ردته وذمي أو معاهد أو مستأمن مات بلا وارث مستغرق والغنيمة ما حصل من كفار أصليين حربيين بقتال وفي حكمه تقابل الجيشين أو إيجاف منا لا منذميين فإنه لهم لا يخمس وحكمها مشهور
وصرح غير واحد من أصحابنا بالفرق أيضا نقلا عن المغرب وغيره فقالوا : الغنيمة ما نيل من الكفار عنوة والحرب قائمة وحكمها أنتخمس وباقيها للغانمين خاصة والفيء ما نيل منهم بعد وضع الحرب أوزارها وصيرورة الدار دار إسلام وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس أي يصرف جميعه لمصالحهم ونقل هذا الحكمابن حجر عمنعدا الشافعي رضي الله تعالى عنه من الأئمة الثلاثة والتخميس عنه استدلالا بالقياس على الغنيمة المخمسة بالنص بجامع أن راجع إلينا من الكفار واختلاف السبب بالقتالوعدمه لا يؤثر والذينطقت به الأخبار الصحيحة أن عمر رضي الله تعالى عنه صنع في سواد العراق ما تضمنته الآية واعتبرها عامة للمسلمين محتجا بها على الزبير وبلال وسلمان الفارسي وغيرهم حيث طلبوا منه قسمته على الغانمين بعقاره وعلوجه ووافقه على ما أراد علي وعثمان وطلحة والأكثرون بل المخالفون أيضا بعد أن قالخاطبا : اللهم اكفني بلالا وأصحابه مع أن المشهور في كتب المغازي أنالسواد فتح غنوة وهو يقتضي كونه غنيمة فيقسم بين الغانمين ولذا قالبعض الشافعية : إن عمر رضي الله تعالى عنه استطاب قلوب الغانمين حتى تركوا فاسترد السواد على أهله بخراج يؤدونه في كل سنة فليراجع وليحقق وما جعله الله تعالى من ذلك لمنتضمنه قوله تعالى : فللهوللرسول إلى ابن السبيل هو خمس الفيء على ما نص عليه بعض الشافعية ويقسم هذا الخمس خمسة أسهم : لمن ذكر الله عز و جل وسهمه سبحانه وسهم رسوله واحد وذكره تعالى كما روي عن ابن عباس والحسن بن محمد بن الحنفية افتتاح كلام للتيمن والتبرك فإن لله ما في السماواتوما في الأرض وفيه تعظيم لشأن الرسول عليه الصلاة و السلام
وقال أبو العالية : سهم الله تعالى ثابت يصرف إلى بناء بيته وهو الكعبة المشرفة إن كانت قريبة وإلا فإلى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس ويلزمه أن السهام كانتستة وهو خلاف المعروف عن السلف في تفسير ذلك وسهم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قد كان له في حياته بالإجماع وهو خمس الخمس وكان ينفق منه نفسه وعياله ويدخر منهمئونة سنة أي لبعض زوجاته ويصرف الباقي في مصالح المسلمين وسقط عندنا بعد وفاتهعليه الصلاة و السلام قالوا : لأن عملالخلفاء الراشدين على ذلك وهم أمناء الله تعالى على دينه ولأن الحكم معلق بوصف مشتق وهوالرسول فيكون مبدأ الأشتقاق وهو الرسالة علة ولم توجد في أحد بعده وهذا كما سقط الصفي
ونقل عن الشافعي أنه يصرف للخليفة بعده لأنه عليه الصلاة و السلام كان يستحقه لإمامته دونرسالته ليكون ذلك أبعد عن توهم الأجر على الإبلاغ والأكثرون منالشافعية أنما كان له صلى الله تعالى عليه وسلم منخمس الخمس يصرف لمصالح المسلمين كالثغور وقضاة البلاد والعلماء المشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها ولو مبتدئين والأئمة والمؤذين ولو أغنياء وسائر من يشتغل على نحو كسبه بمصالح المسلمين لعموم نفعهم والحق بهم العاجزون عن الكسب والعطاء إلى رأي الإمام معتبرا سعة المال وضيقه ويقدم الأهم فالأهم وجوبا