كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

ابن عمرو الأنصاري روي هذا عن ابن عباس وخص بعضهم ما أفاء الله تعالى بالجزية والخراج
وعن الزهري أنه قال : بلغني أنه ذلك وأنت قد سمعت أنعمر رضي الله تعالى عنه إنما احتج بهذه الآية على إبقاءسواد العراق بأيادي أهله وضرب الخراج والجزية عليهم ردا على من طلب قسمته على الغزاة بعلوجه لكنليس ذلك إلا لأن وصول مفع ما أفاء الله تعالى إلى عامة المسلمين كان بما ذكر دون القسمة فافهم
وفي إعادة اللام في الرسول وذي القربى مع العاطف ما لا يخفى من الأعتناء وفيه على ما قيل : تأييد ما لمن يذهب إلى عدم سقوط سهميهما ووجه إفراد ذي القربى قد ذكرناه غير بعيد ولما كان أبناء السبيل بمنزلة الأقارب قيل : وابن السبيل بالإفراد كما قيل : ولذي القربى وعلى ذلك قوله : أيا جارتا إنا غريبان ههنا وكل غريب للغريب نسيب كي لا يكون تعليل للتقسيم وضمير يكون لما أفاء الله تعالى أي كي لا يكون الفيء دولة هي بالضم وكذا بالفتح ما يدول أي مايدور للأنسان منالغناء والجد والغلبة وقالالكسائي وحذاق البصرة : الدولة بالفتح في الملك بالضم و الدولة بالضم في الملك بالكسر أو بالضم في المال وبالفتح في النصرة قيل : وفي الجاه وقيل : هي بالضم ما يتداول كالغرفة اسم ما يغترف وبالفتح مصدر بمعنى التداول والراغب وعيسى بن عمر وكثير أنهما بمعنى واحد وجمهور القراء قرأوابضم الدال والنصب وبالياء التحتية في يكون على أن اسم يكون الضمير و دولة الخبر أي كي لا يكونالفيء جدا بين الأغنياء منكم أي بينهمخاصة يتكاثرون به أو كي لا يكون دولة وغلبة جاهلية بينكم فإن الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمةويقولون من عزيز وقيل : المعنى كي لا يكون شيئا يتداوله الأغنياء خاصة بينهم ويتعاورونه فلا يصيب أحدا منالفقراء
وقرأ عبد الله تكون بالتاء الفوقية على أنالضمير على ما باعتبار المعنى إذ المراد بها الأموال وقرأ أبو جعفر وهشام كذلك ورفع دولة بضم الدالعلى أن كان تامة و دولة فاعل أي كي لا يقعدولة وقرأ علي والسلمي كذلك أيضا ونصب دولة بفتح الدالعلى أن كان ناقصا اسمها ما سمعت و دولة خبرها ويقدرمضاف على القول بأنها مصدر إن لم يتجوز فيه ولم يقصد المبالغة أي كي لا تكون ذات تداول بين الأغنياء لا يخرجونها إلى الفقراء وظاهر التعليل بما ذكر اعتبار الفقر فيمن ذكر وعدم اتصافه تعالى به ضروري مع أن ذكره سبحانهكان للتيمنعند الأكثرين لا لأن له عز و جل سهما وكذا يجل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن أن يسمى فقيرا وما اشتهر منقوله عليه الصلاة و السلام : الفقر فخري لا أصلله وكيف يتوهممثله والدنيا كلها لا تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة وهو صلى الله تعالى عليه وسلم أحب خلقهإليه سبحانه حتى قالبعضالعارفين : لا يقال له صلى الله تعالى عليه وسلم زاهد لأنه التارك للدنيا وهو عليه اتلصلاة والسلام لا يتوجه إليها فضلا عن طلبها اللازم للترك وقيل : إن الخبر لو صح يكون المراد بالفقر فيه الأنقطاع عن السوي بالمرة إلى الله عز و جل وهو غير الفقر الذي الكلام فيه واعتباره فيمنبعد لا محذورا فيه حتى أنه ربما يكون دليلا على القول بأنهلا يعطي أغنياء ذوي القربى وإنما يعطي فقراؤهم وإذا حمل الكلام على ما حملناه عليه كفى في التعليل أن يكونفيمن يدفع إليه شيء من الفيء فقر ولا يلزم أن كل من يدفع إليه

الصفحة 49