كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
فقرأعليه للفقراء المهاجرين الآية ثم قال : هؤلاء المهاجرون أفمنهم أنت قال : لا ثم قرأعليه والذين تبوءوا الدار والإيمان الآية ثم قال : هؤلاء الأنصار أفمنهم أنت قال : لا ثم قرأ عليه والذين جاءوا من بعدهم الآية ثم قال : أفمن هؤلاء أنت قال : أرجو قال : لا والله ليس من هؤلاء منسب هؤلاء
وفي رواية أنابن عمر رضي الله تعالى عنه بلغه أن رجلا نالمن عثمان رضي الله تعالى عنه فدعاه فقرأ عليه الآيات وقال له ما قال وقالالإمام مالك : من كان له في أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهمقول سيء أو بغض فلاحظ له في الفيء أخذا من هذه الآية وفيها ما يدل على ذم الغل لأحد من المؤمنين وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : في أيام ثلاثة يطلع عليكمالآنرجل من أهل الجنة فطلع فيها رجل من الأنصار فبات معه عبد الله بن عمرو بن العاص ثلاث ليال مستكشفا حاله فلم ير له كثير عمل فأخبره الخبر فقال له : ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلا لأحد من المسلمين ولا أحسده على خير أعطاه الله تعالى إياه فقال له عبد الله : هذه التي بلغت بك وهي التيلا نطيق وفي رواية أنه قال : لو كانت الدنيا لي فأخذت مني لم أحزن عليها ولو أعطيتها لم أفرح بها وأبيت وليس في قلبي غل على أحد فقال عبد الله : لكني أقوم الليل وأصوم النهار ولو وهبت لي لفرحت بها ولو ذهبت لحزنت عليها واللهلقد فضلك الله تعالى علينا فضلا بينا هذا وذهب بعضهم إلى أن قوله تعالى : والذين تبوأوا الخ مبتدأ وجملة يحبون الخخبره والكلام استئناف مسوق لمدح الأنصار وجوز كون ذلك معطوفا على أولئك فيفيد شركة الأنصار للمهاجرين في الصدق وجملة يحبون الخ إما استئناف مقرر لصدقهم أو حال منضمير تبوأوا وإلى أن قوله تعالى : والذين جاءوا الخ مبتدأ وجملة يقولون الخ خبره والجملة معطوفة على الجملة السابقة مسوقة لمدح هؤلاء بمحبتهم من تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الأخوة في الدين والسبق بالإيمان كما أن ما عطفت عليه منالجملة السابقة لمدح الأنصار
واستدل لعدم عطف الذين تبوأوا على المهاجرين بما روي أن النبي عليه الصلاة و السلام قسم أموال بني النضير على المهاجرين ولميعط الأنصار إلا ثلاثة كماتقدم وقال عليه الصلاة و السلام لهم : إن شئتمقسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم من هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة فقالوا : بل نقسم لهم أي المهاجرين من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولانشاركهم فيها فنزلت الآية والذينتبوأوا الدار والإيمان إلى آخره وبعضالقائلين بالعطف يقولون : إن قوله تعالى : والذينتبوأوا الخ بيان لحكم الأخماس الأربعة على معنى أنله عليه الصلاة و السلام أنيعم الناس بها حسب اختياره وأنالأنصار مصرف من المصارف ولكن قد اختار صلى الله تعالى عليه وسلم أن يكون إعطاؤهم بالشرط الذي ذكره عليه الصلاة و السلام لهم وهم اختاروا ما اختاروا إيثارا منهم وذلك لا يخرجهم عن كونهم مصرفا بل في قوله تعالى : ويؤثرون على أنفسهم رمزإليه على أن في الأخبار ما هوأصح وأصرح فيالدلالة على عطفهم على ما تقدم وأنهم يعطون من الفيء وكذا عطف الذين جاءوا من بعدهم فقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وغيرهم عن مالك ابن أوسبن الحدثان في حديث طويل أنعمر رضي الله تعالى عنه قال أي في قضاء بين علي كرم الله تعالى وجهه وعمهالعباس رضي الله تعالى عنه في فدك وقد كان عمر دفعها إليهما وأخذ عليهما عهد الله تعالى على أن