كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

أي اليهود والمنافقون وقيل : اليهود يعني لا يقتدرون على قتالكم جميعا أي مجتمعين متفقين في موطن من المواطن إلا في قرى محصنة بالدروب والخنادق ونحوها أو من ورآء جدر يتسترون بها دون أن يصحروا لكم ويبادرزوكم لقذف الله تعالى الرعب في قلوبكم ومزيد رهبتهم منكم
وقرأ أبو رجاء والحسن وابن وثاب جدر بإسكان الدال تخفيفا ورويت عن ابن كثير وعاصم والأعمش وقرأ أبو عمرو وابن كثير في الرواية المشهورة وكثير من الكيين جدار بكسر الجيم وألف بعد الدالوهي مفرد الجدر والقصد فيه إلى الجنس أو المراد به السور الجامع للجدر والحيطان
وقرأ جمع منالمكيين وهارون عن ابن كثير جدر بفتح الجيم وسكون الدال قال صاحب اللوامح : وهو الجدار بلغة اليمن وقال ابن عطية : معناه أصل بنيان كسور وغيره ثم قال : ويحتمل أن يكون منجدر النخل أي من وراء نخلهم إذ هي مما يتقي به عند المصافة بأسهم بينهم شديد استئناف سيق لبيان أن ما ذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم في أنفسهم فإن بأسهم إذا اقتتلوا شديد وإنما ضعفهم وجبنهم بالنسبة إليكم بما قذف الله تعالى في قلوبهم من الرعب تحسبهم جميعا أي مجتمعين ذوي ألفة واتحاد وقلوبهم شتى جمع شتيت أي متفرقة لا ألفة بينها يعني أن بينهم إحنا وعدوات فلا يتعاضدون حق التعاضد ولا يرمون من عند قوس واحدة وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم
وقرأ مبشر بن عبيد شتى بالتنوين جعل الألف ألف الإلحاق وعبد الله وقلوبهم أشت أي أكثر أو أشد تفرقا ذلك بأنهم أي ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب أنهم قوم لا يعقلون
14
- شيئا حتىيعلموا طرق الألفة وأسباب الأتفاق وقيل : لا يعقلون أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم المركوزة فيهمبحسب الخلقة ويعين على تدميرهم واضمحلالهم وليس بذاك وقوله تعالى : كمثل الذينمن قبلهم خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم أي مثل المذكورين من اليهود بني النضير أو منهم ومن المنافقين كمثل أهل بدر كما قالمجاهد أو كبني قينقاع كما قال ابن عباس وهم شعب من اليهود الذين كانوا حوالي المدينة غزاهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يوم السبت على رأس عشرين شهرا من الهجرة في شوال قبل غزوة بني النضير حيث كانت في ربيع سنة أربع وأجلاهم عليه الصلاة و السلام إلى أذرعات على ما فصل في كتب السير
وقيل : أي مثل هؤلاءالمنافقين كمثل منافقي الأمم الماضية قريبا ظرف لقوله تعالى : ذاقوا وبال أمرهم أي ذاقواسوء عاقبة كفرهم في زمن قريب من عصيانهم أي لم تتأخر عقوبتهم وعوقبوا في الدنيا إثر عصيانهم

الصفحة 58