كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
شبه وقوع المثل بوقوع المثل تعسف لا ينبغي أن يرتكب في الفصيح
وقيل : إن العامل فيه التشبيه أي يشبهونهم في زمن قريب وقيل : متعلق الكاف لأنه يدل على الوقوع وكلا القولين كما ترى ولا يبعد تعلقه بماتعلقت به الصلة أعني من قبلهم أي الذين كانوا من قبلهم في ومن قريب فيفيد أن قبليتهم فبلية قريبة ويلزم من ذلك قرب ما فعل بهم وهو المثل ويكون هذا مطمح النظر في الإفادة ويتضمن تعييرهم بأنهم كانت لهم في أهل بدر أو بني قينقاع أسوة فبعد لم ينطمس آثار ما وقع بهم وهو كذلك على تقدير الوقوع ونحوه وجملة ذاقوا مفسرة للمثل لا محل لها من الأعراب ويتعين تعلق قريبا بما بعد على تقدير أن يراد بمن قبل منافقوا الأمم الماضية فتدبر ولهم في الآخرة عذاب أليم
15
- لا يقادر قدره والجملة قيل : عطف على الجملة السابقة وإن اختلفتا فعلية وإسمية وقيل : حالمقدرة من ضمير ذاقوا وأياما كان فهو داخل المثل وقيل : عطف على جملة مثلهم كمثل الذين من قبلهم ولا يخفى بعده وقوله تعالى : كمثل الشيطان جعله غير واحد خبر مبتدأ محذوف أيضا أي مثلهم كمثل الشيطان على أن ضمير مثلهم ههنا للمنافقين وفيما تقدم لبني النضير وقال بعضهم : ضمير مثلهم المقدر في الموضعين للفريقين وجعله بعض المحققين خبرا ثانيا للمبتدأ المحذوف في قوله تعالى : كمثل الذين على أن الضمير هناك للفريقين إلا أن المثل الأول يخص بني النضير والثاني يخص المنافقين وأسند كل من الخبرين إلى ذلك المقدر المضاف إلى ضمير هما من غير تعيين ما أسند إليه بخصوصه ثقة بأن السامع يرد كلا إلى ما يليق به ويماثله كأنه قيل : مثل أولئكالذين كفروا من أهل الكتاب في حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم ومثل المنافقين في إغرائهم إياهمعلى القتال حسبما نقل عنهم كمثل الشيطان إذ قالللإنسان اكفر أي أغراه على الكفر إغراء الآمر للمأمور به فهو تمثيل استعارة فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين
16
- تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولمينفعه ذلك كما قال سبحانه : فكان عاقبتهما أنهمافي النار خالدين فيها أبد الآبدين وذلك أي الخلود في النار جزآؤا الظالمين
17
- على الإطلاق دون المذكورينخاصة والجمهور على أنالمراد بالشيطان والإنسان الجنس فيكون التبري يوم القيامة وهو الأوفق بظاهر قوله : إني أخاف الخ
وذهب بعضهم إلى أن المراد بالشيطان إبليس وبالإنسان أبو جهل عليهما اللعنة قال له يوم بدر : لا غالب لكم اليوم منالناس وإني جار لكم فيما وقعوا فيما وقعوا قال : إني بريء منكم إنيأرى ما لا ترونإني أخاف الله الآية وفي الآية عليه مع ما تقدم عن مجاهد لطيفة وذلك أنه لما شبه أولا حال إخوان المنافقينمن أهل الكتاب بحالأهل بدر شبه هنا حال المنافقين بحال الشيطان في قصة أهل بدر ومعنى اكفر علىتخصيص الإنسان بأبي جهل دم على الكفر عند بعض وقال الخفاجي : لا حاجة لتأويله بذلك لأنه تمثيل