كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

وزعم بعضهم أن الإبراز في الصفات الجارية على غير من هي له إنما يشترط في الأسم دون الفعل كما هنا ومنع ذلك وتعقب الوجهان بأنهما يوهمان أنه تجوز الموالاة عند عدم الإلقاء فيحتاج إلى القول بأنه لا اعتبار للمفهوم للنهي عن الموالاة مطلقا في غير هذه الآية أو يقال : إن الحال والصفة لازمة ولذا كانت الجملة مفسرة وقوله تعالى : وقد كفروا بما جاءكم من الحق حالمن فاعل لا تتخذوا وهي حال مترادفة إن كانت جملة تلقون حالية أيضا أو منفاعل تلقون وهي متداخلة على تقدير حاليتها وجوز كونه حالا من المفعول وكونه مستأنفا
وقرأ الجحدري والمعلي عن عاصم لما باللام أي لأجل ما جاءكمبمعنى جعل ما هو سبب للإيمان سبب الكفر يخرجون الرسول وإياكم أي منمكة أن تؤمنوا بالله ربكم أي لإيمانكم أو كراهة إيمانكمبالله عز و جل والجار متعلق بيخرجون قيل : حال من فاعل كفروا أو استئناف كالتفسير لكفرهم كأنه قيل : كيف كفروا وأجيب بأنهم كفروا أشد الكفر بإخراج الرسول عليه الصلاة و السلام والمؤمنين لإيمانهم خاصة لا لغرض آخر وهذا أرجح منالوجه الأول لطباقه للمقام وكثرة فوائده والمضارع لاستحضار الحال الماضية لما فيها من مزيد الشناعة والأستمرار غير مناسب للمعنى وفي تؤمنوا قيل : تغليب للمؤمنين والألتفات عن ضمير المتكلم بأن يقال : بي إلى ما في النظم الجليل للأشعار بما يوجب الإيمان من الألوهية والربوبية إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي متعلق بقوله تعالى : لا تتخذوا الخ كأنه قيل : لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي فجواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدم وجعله الزمخشري حالا من فاعل لا تتخذوا ولم يقدر له جوابا أي لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء والحال أنكم خرجتم لأجل الجهاد وطلب مرضاتي واعترض بأن الشرط لا يقع حالا بدون جواب في غير إن الوصلية ولا بد فيها من الواو وأنترد حيث يكون ضد المذكور أولى كأحسن إلى زيد وإن أساء إليك وما هنا ليس كذلك
وأجيب بأن ابن جني جوزه وارتضاه جار الله هنا لأن البلاغة وسوق الكلام يقتضيانه فيقال لمنتحققت صداقته من غير قصد للتعليق والشك : لا تخذنني إن كنت صديقي تهييجا للحمية وفيه من الحسن ما فيه فلا يضر إذا خالف المشهور ونصب المصدرين على ما أشرنا إليه على التعليل وجوز كونهما حالين أي مجاهدين ومبتغين والمراد بالخروج إما الخروج للغزو وإما الهجرة فالخطاب للمهاجرين خاصة لأن القصة صدرت منهم كما سمعت في سبب النزول وقوله تعالى : تسرون إليهم بالمودة استئناف بياني كأنهملما استشعروا العتاب مما تقدم سألوا ما صدر عنا حتى عوتبنا فقيل : تسرون الخ وجوز أن يكون بدلا من تلقون بدل كل من كل إن أريد بالإلقاء الإلقاء خفية أو بدل بعض إن أريد الأعم لأن منه السر والجهر
وقال أبو حيان : هو شبيه ببدل الأشتمال وجوز ابن عطية كونه خبر مبتدأ محذوف أي أنتم تسرون والكلام استئناف للأنكار عليهم وأنت تعلم أن الأستئناف لذلك حسن لكنه لا يحتاج إلى حذف والكلام في الباء هنا على ما يقتضيه كلامهم كالباء فيما تقدم وقوله تعالى : وأنا أعلم بما أخفيتم وماأعلنتم

الصفحة 67