كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

الله ما تقدممن ذنبك وما تأخر الآية وما في النظم الجليل هنا قيل : محتمل للأزل لاستقبال الودادة من بعض الأعتبارات كما تقدم وعبر بالماضي اعتبارا للتقدم الرتبي من حيث أن الرد عند الكفرة أشق المضار لعلمهم أن الدين أعز على المؤمنين من أرواحهم لأنهم باذلون لها دونه وأهم شيء عند العدو أنيقصد أهم شيء عند صاحبه ومحتمل للثالث بأنيكون المراد المجموع بتأويل يريدون لكم مضار الدنيا والآخرة قيل : وللثاني أيضا بأن يكونالجزاء هو يبسطوا وذكرت عداوتهم وودادتهم الرد لشدة الأرتباط لما هناك من السببية والمسببية وهو كما ترى وجعل الطيبي المجموع مجازا من إطلاق السبب وإرادةالمسبب وهو مضار الدارين وذكر أن الجواب في الحقيقة مقدر أي يريدوا لكممضار الدنيا والدين وما ذكر دليله أقيم مقامه وقيل : عبر في الودادة بالماضي لتحققها عند المؤمنين أتم من تحقق ما قبلها وحمل عليه كلام لصاحب المفتاح
وعن بعضهم أن الواوواو الحاللا واو العطف والجملة في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه ولا يخفى أن العطف المتبادر وكونه على الجزاء أبعد مغزى وإخراج الشرط والجزاء علىنحو ذلك أكثر من أن يحصى
لن تنفعكم أرحامكم دفع لما عسى ان يتخيلوا كونه عذرا نافعا من أن الداعي للأتخاذ وإلقاء المودة صيانة الأرحام والأولاد من أذى أولئك والرحم في الأصل رحم المرأة واشتهر في القرابة حتى صار كالحقيقة فيها فإما أن يراد به ذلك أو يجعل مجازا عن القريب أو يعتبر معه مضاف أي ذوو أرحامكم ويؤيد التأويل عطف قوله تعالى : ولآ أولادكم أي لن ينفعكم قراباتكم أو أقاربكم ولا أولادكم الذين توالون المشركين لأجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم يوم القيامة بدفع ضر أو نفع يفصل بينكم استئناف لبيان عدمنفع الأرحام والأولاد يومئذ أي يفرق الله تعالى بينكم بما يكون من الهول الموجب لفرار كل منكم منالآخر حسبمانطق به قوله تعالى : يوم يفر المرء من أخيه الآية فلا ينبغي أنيرفض حق الله تعالىوتوالي أعداؤه سبحانه لمن هذا شأنه وما أشرنا إليه من تعلق يوم القيامة بالفعل قبله هو الظاهر وجوز تعلقه بيفصل بعده
وقرأحمزة والكسائي وابن وثاب يفصل بضم الياء وتشديد الصاد مبنيا للفاعل وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة كذلك إلا أنهما خففا وطلحة والنخعي نفصل بالنون مضمومة والتشديد والبناء للفاعل وهما أيضا وزيد بن علي بالنون مفتوحة مخففا مبنيا للفاعل وأبو حيوة أيضا بالنون مضمومة
وقرأ الأعرج وعيسى وابن عامر يفصل بالياء والتشديد والبناء للمفعول وجمهور القراء كذلك إلا أنهم خففوا ونائب الفعل إما بينكم وهو مبني على الفتح لإضافته إلى متوغل في البناء كما قيل وإما ضمير المصدر المفهوم من الفاعل أي يفصل هو أي الفصل والله بما تعملون بصير
3
- فيجازيكم به
قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهم والذن معه تأكيد لأمر الإنكار عليهم والتخطئة في موالاة الكفار بقصة إبراهيم عليه السلام ومن معه ليعلم أن الحب ف الله والبغض فيه سبحانه من أوثق عرا الإيمان فلا ينبغي أن يغفل عنهما والأسوة بضم الهمزة وكسرها وهما لغتان وبالكسر قرأ جميع القراء إلا عاصما وهي بمعنى الأئتساء والأفتداء وتطلق على الخصلة التي من حقها أن يؤتسي ويقتدي بها وعلى نفس الشخص المؤتسي به

الصفحة 69