كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
على الجار والمجرور محذوفا أي بكم وبما تعبدون وحذف اكتفاءا بدلالة السياق فليس بشيء
وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا أي هذا دأبنا معكم لا نتركه حتى تؤمنوا بالله وحده وتتركوا ما أنتمعليه من الشرك فتنقلب العداوة ولاية والبغضاء محبة وفسر الفيروزابادي البغضاء بشدة البغض ضد الحب وأفاد أن العداوة ضد الصداقة وفسر الصداقة بالمحبة فالعداوة والبغضاء على هذا متقاربان وأفاد الراغب أن العداوة منافاة الألتئام قلبا وقال نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه وهو ضد الحب ثم قال : يقال : بغض الشيء بغضا وبغضة وبغضاء وهونحو كلام الفيروزابادي والذييفهم منكلام غير واحد أنه كثيرا ما يعتبر في العداوة التخاذل دون البغضاء فليراجع هذا المطلب
إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك استثناء من قوله تعالى : أسوة حسنة كما قاله قتادة وجماعة وهو على تقدير التجريد أو تفسيرا لأسوة بالأقتداء منقطع بلا ريب وأما على تقدير أن يراد بها مايؤتسى به فقيل : هو متصل وقيل : منقطع وإليه ذهب الأكثر توجيه الأستثناء إلى العدة بالأستغفار لا إلى نفس الأستغفارالمحكي عنه عليه السلام بقوله تعالى : واغفر لأبي الآية أنه المراد قيل : لأنها كانت هي الحاملة له عليه السلام عليه ويعلم من ذلك استثناء نفس الأستغفار بطريق الأولى وجعلها بعضهم كناية عن الأستغفار لأن عدة الكريم خصوصا مثل إبراهيم عليه السلام لا سيما إذا أكدت بالقسم يلازمها الإنجاز وليس بلازم كما لا يخفى وكأنهذهالعدة غير العدة السابقة في سورة مريم في قوله تعالى حكاية عنه عليه السلام : سأستغفر لك ربي الآية ولعلها وقعت منه عليه السلام بعد تلك تأكيدا لها وحكيت ههناعلى سبيل الأستتثناء
وفي الأرشاد تخصيصها بالذكر دون ما وقع في سورة مريم لورودها على طريق التوكيد القسمي واستثناء ذلك من الأسوة الحسنة قيل : لأن استغفاره عليه السلام لأبيه الكافر بمعنى أن يوفقه الله تعالى للتوبة ويهديه سبحانه للإيمان وإن كان جائزا عقلا وشرعا لوقوعه قبل تبين أنه من أصحاب الجحيم وأنهيموت على الكفركما دل عليه ما في سورة التوبة لكنه ليس مما ينبغي أن يؤتسىبه أصلا إذ المراد به ما يجب الأئتساء به حتما لورود الوعيد على الإعراض عنه بقوله تعالى بعد : ومنيتول فإنالله هو الغني الحميد فاستثناؤه عما يفيد عدم وجوب استدعاء الإيمان والمغفرة للكافر المرجق إيمانه وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل وأما عدم جوازه فلا دلالة للأستثناء عليه قطعا وزعم الإمام على ما نقل عنه دلالة الآية على ذلك ولا يلزم أن يكون الأستغفار منه عليه الصلاة و السلام معصية لأنه كثيرا من خواص الأنبياء عليهم السلام لا يجوز التأسي به لأنه أبيح لهم خاصة وهو كما ترى إذ هو ظاهر في أن ذلك الأستغفار الذي وقع منه عليه السلام لو فرض واقعا من غيره لكان معصية وليس كذلك بل هو مباح ممن وقع
وعن الطيبي ما حاصله : إن إبراهيم عليه السلام لما أجاب قول أبيه : لأرجمنك واهجرني مليا بقوله : سأستغفر لك ربي رحمة ورأفة به ولم يكن عارفا بإصراره علىالكفر وفي بوعده وقال : واغفر لأبي فلما تبين إصراره ترك الدعاء وتبرأ منه فظهر أن استغفاره لم يكن منكرا وهوفي حياته بخلاف ما نحن فيه فإنه فصل عداوتهم وحرصهم على قطع أرحامهم بفوله تعالى : لن تنفعكم الخ وسلاهم عن القطيعة بقصة إبراهيم عليه السلام ثم استثنى منها ما ذكر كأنه قيل : لا تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة كما فعل إبراهيم لأنه لم يتبين