كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

له كما تبين لكم انتهى وفيه رمز إلى احتمال أن يكون المستثنى نفس العدة من حيث دلالتها على الرأفة والرحمة ومآل ذلك استثناء الرأفة والرحمة وعلل بعض الأجلة عدم كون استغفاره عليه السلام لأبيه الكافر مما لا ينبغي أن يؤتسى به بأنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه وتعقب الثاني بأن الوعد بالمحظور لا يرفع حظره والأول بأنه مبني على تناول النهي لاستغفاره عليه السلام له مع أن النهي إنما ورد في شأن الأستغفار بعد تبين الأمر وقد كان استغفاره عليه السلام قبله ومنبيء عن كون الأستغفار مؤتسي به لو لم ينه عنه مع أن ما يؤتسى به ما يجب الأئتساء به لا ما يجوز فعله في الجملة وأجيب بما لا يرفع القال والقيل فالأولى التعليل بما سبق
واستظهر أبو حيان أن الأستثناء منمضاف لإبراهيم مقدر في نظم الآية الكريمة أي لقد كان لكم أسوة حسنة في مقالات إبراهيم ومحاوراته لقومه إلا قول إبراهيم الخ وجزم باتصال الإستثناء عليه وكذا جزم الطيبي باتصاله على قول البغوي أي لكم أسوة حسنة في إبراهيم وأموره إلا في استغفاره لأبيه المشرك ولا يخفى أن التقدير خلاف الظاهر ومتى ارتكب فالأولى تقدير أمور بقي أنه قيل : إنالآية تدل على منع التأسي بإبراهيم عليه السلام في الأستغفار للكافر الحي مع أنه بالمعنى أعني طلب الإيمان له لا منع عنه
وأجيب بأنه إنما منع من التأسي بظاهره وظن أنه جائز مطلقا كما وقع لبعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم وفيه أنه قد تقدم أن دلالة الآية على الأستغفار ليس مما يجب الأئتساء به حتما لا على منعه وحرمته ثمإنه ينبغي أن يعلم أن تبين كون أبيه من أصحاب الجحيم الذي كان الأستغفار قبله كان في الدنيا وكذا التبري منه بعده وقد تقدم في سورة التوبة قول : بكون ذلك في الآخرة لدلالة ظواهر بعض الأخبار الصحيحة عليه فإنها دالة على أنهعليه السلام يشفع لأبيه يوم القيامة وهي استغفار أي استغفار فيه ولو كان تبين أنه يموت كافرا في الدنيا لم يكن ليشفع ويطلب على أتم وجهالمغفرة له ضرورة أنه عليه السلام عالم أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به وإنكار ذلك مما لا يكاد يقدم عليه عاقل والذاهبون إلى أنالتبين كان في الدنيا كما عليه سلف الأمة وهو صحيح الذي أجزم به اليوم أشكلت عليهم تلك الظواهر من حيث دلالتها على الشفاعة التي هي في ذلك اليوم استغفار وأتهموا وأنجدوا في الجواب عنها وقد تقدم جميع ماوجده لهم فارجع إليه واختر لنفسك ما يحلوا
ثم إني أقول الذي يغلب على ظني أنالأستغفار الذي كان منه عليه السلام قبل التبين بالمعنى المشهور لا بمعنى التوفيق للإيمان والآيات التي في سورة التوبة وما ورد في سبب نزولها تؤيد ظواهرها ذلك
والتزم أنامتناع جواز الأستغفار إنما علم بالوحي لا بالعقل لأنه يجوز أنيغفر الله تعالى للكافر وهو سبحانه الغفور الرحيم وأنه عليه السلام لم يكن إذ استغفر عالما بالوحي امتناعه ومعنى الآية والله تعالى أعلم إن لكم الأقتداء بإبراهيم عليه السلام والذين معه في البراءة منالكفرة لكن استغفاره للكافر ليس لكم الأقتداء به فيه ومآله يجب عليكم البراءة ويحرم عليكم الأستغفار وإبدالالرأفة فليس لكم الذي اعتبرناه في الأستثناء من باب قوله تعالى : وما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين الخ ودلالة ذلك على المنع ظاهرة فتأمل جميع ماقدمناه ووراءه كلام مبني على قول من قال : ليس لله عز و جل قضاء مبرم ونقل ذلك عن القطبالشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره وشيد بعض الأجلة أركانه في رسالة مستقلة بسط فيها الأدلة على ذلكلكنها لا تخلو عن بحث والله عالى أعلم وقوله سبحانه : وما أملك لك من الله شيء منتمام القول المستثنى محله النصب على أنه حال من فاعل لأستغفرن ومورد الأستثناء نفس الأستغفار لا قيده فإنه في نفسه

الصفحة 72