كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

من خصال الخير لكونه إظهارا للعجز وتفويضا للأمر إلى الله عالى فالكلام من قبيل ما رجع فيه النفي للمقيد دونالقيد
وفي الكشف أنه وإن كان في نفسه كلاما مطابقا للواقع حسنا أن يجعل أسوة إلا أنه شفع بقوله : لأستغفرن لك تحقيقا للوعد كأنه قيل : لأستغفرن لك وما في طاقتي إلا هذا فهو مبذول لا محالة وفيه أنه ملك أكثر من ذلك لفعل وعلى هذا فهو حقيق بالأستثناء وقوله عز و جل : ربنا علك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير
4
- إلى آخره جملة مستأنفة لا محل لها من الأعراب متصلة معنى بقصة إبراهيم عليه السلام ومنمعه على أنها بيان لحالهم في المجاهدة لأعداء الله عز و جل وقشر العصا ثم اللجأ إلى الله تعالى في كفاية شرهم وأن تلك منهم له عز و جل لا لحظ نفسي وقيل : اتصالها بماتقدم لفظي على أنها بتقدير قول معطوف على قالواإنا برآء أي وقالوا : ربنا الخ وجوز أن يكون المعنى قولوا ربنا أمرا منه تعالى للمؤمنين بأن يقولوه وتعليما منه عز و جل لهم وتتميما لما وصاهم سبحانه به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار والأئتساء بإبراهيم عليه السلام وقومه في البراءة منهموتنبيها على الإنابة إلى الله تعالى والأستعاذة له منفتنة أهل الكفر والأستغفار مما فرط منهم وهو كما قيل : وجه حسن لا يأباه النظم الكريم وفيه شمة من أسلوب انتهوا خيرا لكم لأنه سبحانه لما حثهم على الأئتساء بمنسمعت في الأنتهاء عن الكفر وموالاة أهله ثم قالسبحانه ما يدلعلى اللجأ إليه تتعالى يكون في المعنى نهيا عن الأولوأمرأ بالثاني
وجعل بعضهم القول على هذا الوجه معطوفا على لا تتخذوا أي وقولوا ربناالخ وأيا ما كان فتقديم الجار والمجرور في المواضع الثلاثة للقصر كأنهقيل : ربنا عليك توكلنا لا على غيرك وإليك أنبنا لا إلى غيرك وإليك المصير لا إلى غيرك ربنالا تجعلنا فتنة للذينكفروا أيلا تسلطهم علينا فيسبوننا ويعذبوننا قاله ابن عباس فالفتنة مصدر بمعنى المفتون أي المعذب من فتن الفضة إذاأذابها فكأنه قيل : ربنا لا يجعلنا معذبين للذين كفروا وقال مجاهد : أي لا تعذبنا بأيديهم أو بعذاب منعندك فيظنوا أنهم محقون وأنا مبطلون فيفتنوا لذلك
وقال قريبا منهقتادة وأبو مجلز والأول أرجح ولم تعطف هذه الجملة الدعائية على التي قبلها سلوكا بهما مسلك الجمل المعدودة وكذا الجملة الآتية وقيل : إن هذه الجملة بدل مما قبلها ورد بعدم اتحاد المعنيين كلا وجزءا ولا مناسبة بينهما سوى الدعاء واغفر لنا ما فرط منا ربنا إنك أنت العزيز الغالب الذي لا يذل منالتجأ إليه ولا يخيب رجاء من توكل عليه الحكيم
5
- الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة لقد كان لكم فيهم أيفي إبراهيم عليه السلام ومنمعه أسوة حسنة الكلام فيه نحو ما تقدم وقوله تعالى : لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر أيثوابهتعالى أو لقاءه سبحانه ونعيم الآخرة أو أيام الله تعالى واليومالآخر خصوصا والرجاء يحتمل الأمل والخوف صلة لحسنة أوصفة وجوزكونه بدلا من لكم بناءا على ما ذهب إليه الأخفش منجواز أن يبدل الظاهر من ضمير المخاطب وكذا من ضمير المتكلم بدلالكل كما يجوز أن يبدل من ضمير الغائب وأنيبدل من الكل بدلالبعض وبدل الأشتمال بدل الغلط
ونقل جواز ذلك الإبدال عن سيبويه أيضا والجمهور على منعه وتخصيص الجواز ببدل البعض والأشتمال والغلط

الصفحة 73