كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
التسوية ذلكم الذي ذكر حكم الله أي فاتبعوه وقوله عز و جل : يحكم بينكم كلام مستأنفأو حال من حكم بحذف الضمير العائد إليه وهو مفعول مطلق أي يحكمه الله تعالى بينكم أو العائد إليه الضمير المستتر في يحكم يجعل الحكم حاكما مبالغة كأنالحكم لقوته وظهوره غير محتاج لحاكم آخر واللهعليم حكيم
10
- يشرع ما تقتضيه الحكمة البالغة وروي أنهلما تقرر هذا الحكم أدى المؤمنون مماأمروا به من مهور المهاجرات إلى أزواجهن وأبى المشركون أن يؤدوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المؤمنين فنزل قوله تعالى : وإن فاتكم أي سبقكموانفلت منكم شيء من أزواجكم إلى الكفار أيأحد من أزواجكموقريءكذلك وإيقاع شيء موقعه لزيادة التعميم وشمول محقر الجنس نصا وفي الكشف لك أن تقول : أريد التحقير والتهوين على المسلمين لأن منفات من أزواجهم إلى الكفار يستحق الهون والهوان وكانت الفائتات ستا على ما نقله في الكشاف وفصله أو إن فاتكم شيء من مهور أزواجكم على أن شيء مستعملفي غير العقلاء حقيقة و من ابتدائية لا بيانية كما في الوجه الأول فعاقبتم من العقبة لا من العقاب وهي في ألأصل التوبة في ركوب أحد الرفيقين على دابة لهما والآخر بعده أي فجاءت عقبتكم أي نوبتكم من أداء المهر شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور أولئك نسائ أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى أو شبه الحكم بالأداء المذكوربأمر يتعقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وحاصل المعنى إن لحق أحد من أزواجكم بالكفار أو فاتكم شيء من مهورهن ولزمكم أداء المهر كما لزم الكفار
فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل مآ أنفقوا من مهر المهاجر التي تزوجتموها ولا تؤتوه زوجها الكافر ليكونقصاصا ويعلم مما ذكرنا أن عاقب لا يقتضي المشاركة وهذا كما تقول : إبل معاقبة ترعى الحمض تارة وغيرهأخرى ولا تريد أنهاتعاقب غيرها من الأبل في ذلك وحمل الآية على هذا المعنى يوافق ما روي عنالزهري أنه قال : يعطيمنلحقت زوجته بالكفار من صداق من لحق بالمسلمين من زوجاتهم
وعن الزجاج أن معنى فعاقبتم فغنمتم وحقيقته فأصبتم في القتال بعقوبة حتى غنمتم فكأنه قيل : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ولم يؤدوا إليكم مهورهن فغنمتم منهم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الغنيمة وهذا هو الوجه دون ما سبق وقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم كما روي عن ابن عباس يعطي الذيذهبت زوجته من الغنيمة قبل أن تخمس المهر ولا ينقص من حقه شيئا وقال ابن جني : وينا عن قطرب أنه قال : فعاقبتم فأصبتم عقبا منهم يقال : عاقب الرجل شيئاإذا أخذ شيئا وهو في المعنىكالوجهقبله
وقرأ مجاهد والزهري والأعرج وعكرمة وحميد وأبو حيوة والزعفراني فعقبتم بتشديد القاف منعقبه إذا قفاه لأن كل واحد من المتعاقبين يقفى صاحبه والأعرج وأبو حيوة أيضاوالنخعي وابن وثاب بخلاف عنه فعقبتم بفتح القاف وتخفيفها والزهري والنخعي أيضا بالكسر والتخفيف ومجاهد أيضافأعقبتم أي دخلتم فيالعقبة وفسر الزجاج هذه القراآت الأربعة بأن المعنى فكانت العقبىلكم أي الغلبة والنصر حتى غنمتم لأنهاالعاقبة التيتستحق أن تسمى عاقبة واتقواالله الذي أنتمبه مؤمنون
11
- فإن الإيمان به عز و جل يقتضي التقوى منه سبحانه وتعالى يا أيها النبي غذا جاءك المؤمنات يبايعنك