كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)

صلى الله تعالى عليه وسلم مع أنها حديثة عهد بجاهلية ويروى أن أول من بايع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من النساء أم سعد بن معاذ وكبشة بنت رافع مع نسوة أخر رضي الله تعالى عنهن
يا أيها الذينآمنوالا تتولوا قوما غضب الله عليهم عن الحسن وابن زيد ومنذر بن سعيد أنهم اليهود لأنه عز و جل قد عبر عنهم في غير هذه الآية بالمغضوب عليهم وروي أن قوما من فقراء المؤمنين كانوايواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم فنزلت وقيل : هم اليهود والنصارى وفي رواية عن ابن عباس أنهم كفار قريش وقال غير واحد : هم عامة الكفرة وهذه الآية على ما قال الطيبي : متصلة بخاتمة قصة المشركين الذين نهي المؤمنون عن اتخاذهم أولياء بقوله تعالى : لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وهي قولهسبحانه : ومن يتولهم فأولئكهم الظالمون وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكمالمؤمنات الخ مستطرد فإنه لما جرى حديث المعاملة مع الذين لا يقاتلون المسلمين والذين يقاتلونهم وقد أخرجوهم من ديارهم من الأمر بمبرة أولئك والنهي عن مبرة هؤلاء أتى بحديث المعاملة مع نسائهم ولمافرغ من ذلك أوصل الخاتمة بالفاتحة على منوال رد العجز على الصدر من حيث المعنى وفي الأنتصاف جعل هذه الآية نفسها من باب الأستطراد وهو ظاهر على القول : بأن المراد بالقوم اليهود و أهل الكتابمطلقا وقوله تعالى : قد يئسوا من الآخرة استئناف والمراد قد يئسوا من خير الآخرة وثوابها لعنادهم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم المنعوت في كتابهمالمؤيد بالآيات والمعجزات الباهرات وإذا أريد بالقوم الكفرة فيأسهم من الآخرة لكفرهم بها
كما يئس الكفار من أصحاب القبور
13
- أي الذين هم أصحاب القبور أي الكفار الموتى على أن من بيانية والمعنى أن يأس هؤلاء من الآخرة كيأس الكفار الذين ماتوا وسكنواالقبور وتبينوا حرمانهم من نعيمها المقيم وقيل : كيأسهم من أن ينالهم خير من هؤلاء الأحياء والمراد وصفهم بكمال اليأس من الآخرة وكون من بيانية مروي عن مجاهد وابن جبير وابن زيد وهو اختيار ابن عطية وجماعة واختار أبو حيان كونها لابتداء الغاية والمعنى أن هؤلاء القوم المغضوب عليهم قد يئسوا من الآخرة كمايئسوا من موتاهم أن يبعثواويلقوهم في دار الدنيا وهو مروي عن ابن عباس والحسن وقتادة فالمراد بالكفار أولئك القوم ووضع الظاهر موضع ضميرهم تسجيلا لكفرهم وإشعارا بعلة يأسهم وقرأ ابن أبي الزناد كما يئس الكافر بالإفراد على إرادة الجنس
هذا ومنباب الإشارة في بعض الآيات ما قيل : إن قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكمأولياء الخ إشارة للسالك إلى ترك مولاة النفس الأمارة وإلقاء المودة إليها فإنها العدو الأكبر كما قيل : أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك وهي لا تزالكارهة للحق ومعارضة لرسول العقل نافرة له ولاتنفك عن ذلك حتى تكونمطمئنة راضية مرضية وإليه الإشارة بقوله تعالى : عسى أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتممنهم مودة وقوله سبحانه : لا ينهاكم الله الخإشارة إلى أنه متى أطاعت النفس وأمنجماحها جاز إعطاؤهاحظوظها المباحة وإليه الإشارة بما روي أنلنفسك عليك حقا وفي قوله سبحانه : يا أيها النبي إذاجاءك المؤمنات يبايعنك الخ إشارة إلى مبايعةالمرشد المريد الصادق ذا النفس المؤمنة وذلك أن يبايعه على ترك الأختيار وتفويض الأمور إلى الله عز و جلوأنلا يرغب فيما ليسله بأهل وأن لا يلج في شهوات النفس وأنلا يئذ الوارد الإلهاميتحت ترابالطبيعة وأن لا يفتريفيزعم أن الخاطر السري خاطر

الصفحة 82