كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 28)
لغاية قبح ما فعلوه و كبر من باب بئس فيه ضمير مبهم مفسر بالنكرة يعده و أن تقولوا هو المخصوصبالذم وجوز أن يكون في كبر ضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله سبحانه : لم تقولون أي كبر هو أي القول مقتا و أن تقولوا بدل منالمضمر أوخبر مبتدأ محذوف وقيل : قصد فيه كثر التعجب من غير لفظه كمافي قوله : وجارة جساس أبأنابنابها كليبا غلت نابكليب بواؤها ومعنى التعجب تعظيم الأمرفي قلوب السامعين واسند أن تقولوا ونصب مقتا على تفسيره دلالة على أن قولهم : ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه ومنه نكاح المقت لتزوج الرجل امرأة أبيه ولم يقتصر على أن جعل البغض كبيراحتى جعل أشده وأفحشه وعند الله أبلغ من ذلك لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله تعالى الذي يحقر دونه سبحانه كل عظيم فقد تم كبره وشدته وانزاحت عنه الشكوك وتفسير المقت بما سمعت ذهب إليه غير واحد من أهل اللغة وقال ابن عطية : المقت البغض من أجل ذنب أو ريبة أو دناءة يصنعها الممقوت وقال المبرد : رجل ممقوت ومقيت إذا كان يبغضه كل واحد واستدلبالآية عل وجوب الوفاء بالنذر وعن بعض السلف أنه قيل له : حدثنا فسكت فقيل له : حدثنا فقال : وما تأمرونني أن أقول ما لا أفعل فاستعجل مقت الله عز و جل وقوله سبحانه : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص
4
- بيان لما هو مرضي عندهسبحانه وتعالبعد بيان ما هو ممقوت عندهجل شأنه وظاهره يرجع أن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتالدون ما يقتضيه ما روي عن الضحاك أو عن ابن زيد في سبب النزول ويقتضي أن مناط التوبيخ هو إخلافهملأوعدهم وصف مصدروقع موقع اسم الفاعل أو اسم المفعول ونصبه على الحال من ضمير يقاتلون أي صافين أنفسهم أو موصوفين و كأنهم الخ حالمنالمستكن في الحال الأولى أي مشبهين في تلاصقهمببنيان الخ وهذا ما عناه الزمخشري بقوله : هما أي صفا و كأنهم الخ حالان متداخلان وقول ابن المنير : إن معنى التداخل أنالحالالأولى مشتملة على الحال الثانية فإن هيئة الأتصاف هي هيئة الأرتصاص خلافالمعروف من التداخل في اصطلاح النحاة وجوز أن يكون حالا ثانية من الضمير
وقال الحوفي : هو في موضع النعت لصفا وهوكما ترى والمرصوص على ما قال الفراء ومنذر بن سعيد هو المعقود بالرصاص ويراد به المحكم وقال المبرد : رصصت البناء لاءمت بين أجزائه وقاربته حتى يصير كقطعة واحدة ومنه الرصيص وهو انضمام الأنسان والظاهرأن المراد تشبيههم في التحام بعضهم ببعض بالبنيان المرصوص من حيث أنهم لا فرجه بينهم ولا خلل وقيل : المراد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماعالكلمة كالبنيان المرصوص والأكثرون على الأول وفي أحكام القرآنفيه استحباب قيام المجاهدين والقتالصفوفا كصفوف الصلاة وأنه يستحب سد الفرج والخلل في الصفوف وإتمام الصف الأول فالأول وتسوية الصفوف عدمتقدم بعض على بعض فيها وقال ابن الفرس : استدل به بعضهمعلى أن قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان لأن التراص إنما يمكن منهم ثم قال : وهو ممنوع انتهى ثم إن القتال على هذه الهيئة اليوممن أصول العساكر المحمدية النظامية لا زالت منصورة مؤيدة بالتأييدات الربانية وأنت تعلم أن للوسائل حكم المقاصد فمايتوصل به إلىتحصيل الأتصاف بذلكمما لا ينبغي أن يتكاسل فيتحصيله وقرأ زيد بن علي