كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
كما قاله ابن حجر بل هو مخالف لها ومثل هذه الإحتمالات لا يكتفي بها بل قال أبو حيان أنه كذب صريح وعن قتادة كان صلى الله تعالى عليه وسلم قد تزمل في ثيابه للصلاة واستعد لها فنودي بيا أيها المزمل على معنى يا أيها المستعد للعبادة وقال عكرمة المعنى يا أيها المزمل للنبوة وأعبائها والزمل كالحمل لفظا ومعنى ويقال أزد مله أي أحتمله وفيه تشبيه إجراء مراسم النبوة بتحمل الثقيل لما فيهما من المشقة وجوز أن يكون كناية عن المتثاقل لعدم التمرن وأورد عليه نحو ما أورد على وجه الزمخشري ومع صحة المعنى الحقيقي واعتضاده بالأحاديث الصحيحة لا حاجة إلى غيره كما قيل قم الليل أي قم إلى الصلاة وقيل داوم عليها وأيا ما كان فمعمول قم مقدر والليل منصوب على الظرفية وجوز أن يكون منصوبا على التوسع والإسناد المجازي ونسب هذا إلى الكوفيين وما قيل إلى البصريين وقيل القيام مستعار للصلاة ومعنى قم صل فلا تقدير وقرأ أبو السمال بضم الميم اتباعا لحركة القاف وقريء بفتحها طلبا للتخفيف والكسر في قراءة الجمهور على أصل التقاء الساكنين إلا قليلا استثناء من الليل وقوله تعالى نصفه بدل من قليلا بدل الكل والضمير لليل وفي هذا الإبدال رفع الإبهام وفي الإتيان بقليل ما يدل على أن النصف المغمور بذكر الله تعالى بمنزلة الكل والنصف الفارغ وإن ساواه في الكمية لا يساويه في التحقيق أو أنقص منه عطف على الأمر السابق والضمير المجرور لليل أيضا مقيدا بالإستثناء لأنه الذي سيق له الكلام وقيل للنصف لقربه قليلا أي نقصا قليلا أو مقدارا قليلا بحيث لا ينحط عن نصف النصف أو زد عليه عطف كما سبق وكذا الكلام في الضمير ولا يختلف على القولين فيه وهو تخيير صلى الله تعالى عليه وسلم بين أن يقوم نصف الليل أو أقل من النصف أو أكثر بيد أنه رجح الأول بأن فيه جعل معيار النقص والزيادة النصف المقارن للقيام وهو أولى من جعله للنصف العاري منه بالكلية وإن تساويا كمية وجعل بعضهم الإبدال من الليل الباقي بعد الثنيا والضميرين له وقال في الإبدال من قليل ليس بسديد لهذا ولأن الحقيقي بالإعتناء الذي ينبيء عنه الإبدال هو الجزء الباقي بعد الثنيا المقارن للقيام لا للجزء المخرج العاري عنه ولا يخفى أنه على طرف التمام وكذا اعترض أبو حيان ذلك الإبدال بقوله أن ضمير نصفه حينئذ إما أن يعود على المبدل منه أو على المستثنى منه وهو الليل لا جائز أن يعود على المبدل منه لأنه يكون استثناء مجهول إذ التقدير إلا قليلا نصف القليل وهذا لا يصح له معنى البتة ولا جائز أن يعود على المستثنى منه لأنه يلغو فيه الإستثناء إذ لو قيل قم الليل نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه أفاد معناه على وجه أخضر وأوضح وأبعد على الإلباس وفيه أنا نختار الثاني وما زعمه من اللغوية قد أشرنا إلى دفعه وأوضحه بعض الأجلة بقوله إن فيه تنبيها على تخفيف القيام وتسهيله لأم قلة أحد النصفين تلازم قلة الآخر وتنبيها على تفاوت ما شغل بالطاعة وما خلا منها الإشعار بأن البعض المشغول بمنزلة الكل مع ما في ذلك من البيان بعد الإبهام الداعي للتمكن في الذهن وزيادة التشويق وتعقب السمين الشق الأول أيضا بأن قوله استثناء مجهول من مجهول غير صحيح لأن الليل معلوم وكذا بعضه من النضف وما دونه وما فوقه ولا ضير في استثناء المجهول من المعلوم نحو فشربوا منه إلا قليلا بل لا ضير في إبدال مجهول من مجهول كجاءني جماعة بعضهم مشاة ومع هذا المعول عليه ما سلف وجوز أن يكون نصفه بدلا من الليل بدل بعض من كل والإستثناء منه والكلام على نية التقديم والتأخير والأصل قم نصف الليل إلا قليلا وضمير منه وعليه للأقل من النصف المفهوم من مجموع المستثنى منه فكأنه قيل قم أقل من نصف الليل بأن تقوم ثلث الليل أو أنقص من ذلك الأقل قليلا بأن تقوم ربع الليل أو زد على ذلك الأقل بأن تقوم النصف فالتخيير على هذا بين الأقل من النصف والأقل من الأقل والأزيد منه وهو النصف