كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

ما يعبر عنه بالشيء وقال أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة والكسائي وتبعهم منذر بن سعيد التذكير لتأويل السماء بالسقف وكان النكتة فيه تذكير معنى السقفية والإضلال ليكون أمر الإنفطار أدهش وأهول وقال أبو الفارسي التقدير ذات انفطار كقولهم امرأة مرضع أي ذات رضاع فجري على طريق النسب وحكى عنه أيضا أن هذا من باب الجراد المنشر والشجر والأخضر وإعجاز نخل منقعر يعني أن السماء من باب اسم الجنس الذي بينه وبين مفرده تاء التأنيث وإن مفرده سماءة واسم الجنس يجوز فيه التذكير والتأنيث فجاء منفطر على التذكير وقال الفراء السماء يعني تذكير المظلة وتؤنث فجاء منفطر على التذكير ومنه قول الشاعر فلو رفع السماء إليه قوما
لحقنا بالسماء وبالسحاب وعليه لا حاجة إلى التأويل وإنما تطلب نكتة اعتبار التذكير مع أن الأكثر في الإستعمال اعتبار التأنيث ولعلها ظاهرة لمن أدنى فهم وحمل الباء في به على الآلة هو الأوفق لتهويل أمر ذلك اليوم وجوز حملها على الظرفية أي السماء منفطر فيه وعود الضمير المجرور على اليوم هو الظاهر الذي عليه الجمهور وقال مجاهد يعود على الله تعالى أي بأمره سبحانه وسلطانه عز و جل فهو عنده كالضمير في قوله تعالى كان وعده مفعولا فإنه له تعالى لعلمه من السباق والمصدر مضاف إلى فاعله ويجوز أن يكون لليوم كضمير به عند الجمهور والمصدر مضاف إلى مفعوله إن هذه إشارة إلى الآيات المنطوية على القوارع المذكورة تذكيرة إلى موعظة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا بالتقرب إليه تعالى بالإيمان والطاعة فإنه المنهاج الموصل إلى مرضاته عز و جل ومفعول شاء محذوف والمعروف في مثله أن يقدر منجنس أي فمن شاء اتخاذ سبيل إلى ربه تعالى اتخذ الخ وبعض قدره الإتعاظ لمناسبة ما قبل أي فمن شاء الإتعاظ اتخذ إلى ربه سبيلا والمراد من نوى أن يحصل له الإتعاظ تقرب إليه تعالى لكن ذكر السبب وأريد مسببه فهو الجزاء في الحقيقة واختار في البحر ما هو المعروف وقال أن الكلام على معنى الوعد والوعيد إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل أي زمانا أقل منهما استعمل فيه الأدنى وهو اسم تفضيل من دنا إذا قرب لما أن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الإحياز فهو مجاز مرسل لأن القرب يقتضي قلة الإحياز بين الشيئين فاستعمل في لازمه أو في مطلق القلة وجوز اعتبار التشبيه بين القرب والقلة ليكون هناك استعارة والإرسال أقرب وقرأ الحسن وشيبة وأبو حيوة وابن السمقيع وهشام وابن مجاهد عن قنبل فيما ذكر صاحب الكامل ثلثي بإسكان اللام وجاء ذلك عن نافع وابن عامر فيما ذكر صاحب اللوامح ونصفه وثلثه بالنصب عطفا على أدنى كأنه قيل يعلم أنك تقوم من الليل أقل من ثلثيه وتقوم نصفه وتقوم ثلثه وقرأ العربيان ونافع ونصفه وثلثه بالجر عطفا على ثلثي الليل أي تقوم أقل من الثلثين وأقل من النصف وأقل من الثلث والأول مطابق لكون التخيير فيما مر بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقص منه وهو الثلث وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين والثاني مطابق لكون التخيير بين النصف وهو أدنى من الثلثين وبين الثلث وهو أدنى من النصف وبين الربع وهو أدنى من الثلث كذا قال غير واحد فلا تغفل واستشكل الأمر بأن التفاوت بين القراءتين ظاهر فكيف وجه صحة علم الله تعالى لمدلولها وهما لا يجتمعان وأجيب بأن ذلك بحسب الأوقات فوقع كل في وقت فكانا معلومين له تعالى واستشكل أيضا هذا المقام على تقدير كون الأمر واردا بالأكثر بأنه يلزم إما مخالفة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما أمر به أو اجتهاده والخطأ

الصفحة 110