كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
متسعة كانت أو ضيقة لم يفوض التحديد إلى رأي الفاعل وهو دليل حسن وأما القائل بالفرضية فقد نظر إلى اللفظ دون الدليل الخارجي ولكل وجه وأما قوله ولقوله تعالى ومن الليل الخ فالإستدلال بأنه فسر نافلة لك أن معناه زائدة على الفرائض لك خاصة دون غيرك لأنها تطوع لهم وهذا القائل لا يمنع الوجوب في حقه عليه الصلاة و السلام وإنما يمنعه في حق غيره صلى الله تعالى عليه وسلم والآية تدل عليه فلا نظر فيه ثم أنه لما ذكر سبحانه في تلك السورة ومن الليل أي خص بعض الليل دون توقيت وههنا وقت جل وعلا على مشاركة الأمة له عليه الصلاة و السلام قوله تعالى وطائفة من الذين معك نزل ما ثم على الوجوب عليه صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة وههنا على التنفل في حقه وحق الأمة وهذا قول سديد إلا أن قوله تعالى على أن لن تحصوه فتاب عليكم يؤيد الأول انتهى وعني بالأول القول بالفرضية عليه عليه والسلام وعلى الأمة وظواهر الآثار الكثيرة تشهد له لكن في البحر أن قوله تعالى وطائفة من الذين معك دليل على أنه لم يكن فرضا على الجميع إذ لو كان فرضا عليهم لكان التركيب والذين معك إلا أن أعتقد أنه كان منهم من يقوم في بيته ومنهم من يقوم معه فيمكن إذ ذاك الفرضية في حق الجميع انتهى وأنت تعلم أنه لا يتعين كون من تبعيضية بل تحتمل أن تكون بيانية ومن يقول بالفرضية على الكل صدر الإسلام بحملها على ذلك دون البعضية باعتبار المعية فإنها ليست بذاك والله تعالى أعلم وأفادت الآية على القول الأخير في قوله سبحانه فاقرؤا الخ ندب قراءة شيء من القرآن ليلا وفي بعض الآثار من قرأ مائة آية في ليلة لحاجة القرآن وفي بعضها من قرأ آية كتب من القانتين وفي بعض خمسين آية والمعول عليه من القولين فيه القول الأول وقد سمعت أن الأمر عليه للإيجاب وأنه كان يجب قيام شيء من الليل ثم نسخ وجوبه عن الأمة بوجوب الصلوات الخمس فهو اليوم في حق الأمة سنة وفي البحر بعد تفسير فاقرؤا يصلوا وحكاية ما قيل من النسخ وهذا الأمر عند الجمهور أمر إباحة وقال الحسن وابن سيرين قيام الليل فرض ولو قدر حلب شاة وقال ابن جبير وجماعة هو فرض لا بد منه ولو بمقدار خمسين آية انتهى سياقه أن هؤلاء قائلون بوجوبه اليوم وأنه لم ينسخ الوجوب مطلقا وإنما نسخ وجوب معين وهذا خلاف المعروف فعن ابن عباس سقط قيام الليل عن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصار تطوعا وبقي ذلك فرضا على رسول الله عليه الصلاة و السلام وأظن الأمر غنيا من الإستدلال فلنطو بساط القيل والقال نعم كان السلف الصالح يثابرون على القيام مثابرتهم على فرائض الإسلام لما في ذلك من الخلوة بالحبيب والأنس به وهو القريب من غير رقيب نسأل الله تعالى أن يوفقنا كما وفقهم ويمن علينا كما من عليهم بقي هنا بحث وهو أن الإمام أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه استدل بقوله تعالى فاقرؤوا ما تيسر من القرآن على أن الفرض في الصلاة مطلق القراءة لا الفاتحة بخصوصها وهو ظاهر على القول بأنه عبر فيه عن الصلاة بركنها وهو القراءة كما عبر عنها بالسجود والقيام والركوع في مواضع وقدر ما تيسر بآية على ما حكاه عنه الماوردي وبثلث على ما حكاه عنه ابن العربي والمسألة مقررة في الفروع وخص الشافعي ومالك ما تيسر بالفاتحة واحتجوا على وجوب قراءتها في الصلاة بحجج كثيرة منها ما نقل أبو حامد الإسرافيني عن ابن المنذر بإسناده عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة و السلام لا تجزي صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ومنها ما روي عن أبي هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وسلم كل صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فهي خداج أي نقصان للمبالغة أو ذو نقصان واعترض بأن النقصان لا يدل على عدم الجواز وأجيب بأنه يدل لأن التكليف بالصلاة قائم والأصل في الثابت البقاء خالفناه عند الإتيان بها على صفة الكمال فعند النقصان وجب أن يبقى على الأصل ولا يخرج عن العهدة