كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

عليهم من صلاة الليل فلينتبه وقوله تعالى علم أن سيكون منكم مرضى استئناف مبين لحكمة الله أخرى غير ما تقدم من عسرة إحصاء تقدير الأوقات مقتضية للترخيص والتخفيف أي علم أن الشأن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يسافرون فيها للتجارة يبتغون من فضل الله وهو الربح وقد عمم ابتغاء الفضل لتحصيل العلم والجملة في موضع الحال وآخرون يقاتلون في سبيل الله يعني المجاهدون وفي قرن المسافرين لابتغاء فضل الله تعالى بهم إشارة إلى أنهم نحوهم في الأجر أخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن عمر رض الله عنه قال ما من حال يأتيني عليه الموت بعد الجهاد في سبيل الله أحب إلي من أن يأتيني وأنا بين شعبتي جبل ألتمس من فضل الله تعالى وتلا هذه الآية وآخرون يضربون الخ وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما من جالب يجلب طعاما إلى بلدان المسلمين فيبيعه لسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله ثم قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله والمراد أنه عز و جل علم أن سيكون من المؤمنين من يشق عليه القيام كما علم سبحانه عسر إحصاء تقدير الأوقات وإذا كان الأمر كما ذكر وتعاضدت مقتضيات الترخيص فاقرؤا ما تيسر منه أي من القرآن من غير تحمل المشاق وأقيموا الصلاة أي المفروضة وآتوا الزكاة كذلك وعلى هذا أكثر المفسرين والظاهر أنهم عنوا بالصلاة المفروضة الصلوات الخمس وبالزكاة المفروضة أختها المعروفة واستشكل بأن السورة من أوائل ما نزل بمكة ولم تفرض الصلوات الخمس إلا بعد الإسراء والزكاة إنمافرضت بالمدينة وأجيب بأن الذاهب إلى ذلك يجعل هذه الآيات مدنية وقيل إن الزكاة فرضت بمكة من غير تعيين للأنصباء والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصباء فيمكن أن يراد بالزكاة المفروضة في الجملة فلا مانع منكون الآيات مكية لكن يلتزم لكونها نزلت بعد الإسراء وحملها على صلاة الليل السابقة حيث كانت مفروضة تنافي الترخيص وقيل يجوز أن تكون الآية مما تأخر حكمه عن نزوله وليس بذاك وأقرضوا الله قرضا حسنا أريد به الإنفاقات في سبيل الخيرات أو اداء الزكاة على أحسن الوجوه وأنفعها للفقراء وما تقدموا لأنفسكم من خير أي خير كان مما ذكر ومما لم يذكر تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا أي من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت وخيرا ثاني مفعولي تجدوه وهو تأكيد لضمير تجدوه وإن كان بصورة المرفوع والمؤكد منصوب لأن هو يستعار لتأكيد المجرور والمنصوب كما ذكره الرضي أو ضمير فصل وإن لم يقع بين معرفتين فإن أفعل في حكم المعرفة ولذا يمتنع منحرف التعريف كالعلم وجوز أبو البقاء البدلية من ضمير تجدوه ووهمه أبو حيان بأن الواجب عليها إياه وقرأ أبو السمال باللام العدوي وأبو السمال بالكاف الغنوي وأبو السميفع هو خير وأعظم برفعهم على الإبتداء والخبر وجعل الجملة في موضع المفعول الثاني قال أبو زيد هي لغة بني تميم يرفعون ما بعد الفاصلة يقولون كان زيد هو الفاعل بالرفع وعليه قول قيس بن ذريح تحن إلي لبنى وأنت تركتها
وكنت عليها بالملأ أنت أقدر فقد قال أبو عمرو والجرمي أنشده سيبويه شاهدا للرفع والقوافي مرفوعة ويروى اقدرا واستغفروا الله في كافة أحوالكم فإن الإنسان قلما يخلو مما يعد تفريطا بالنسبة إليه وعد من ذلك الصوفية رؤية العابد عبادته قيل ولهذه الإشارة أمر بالإستغفار بعد الأوامر السابقة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقراض

الصفحة 114